عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
اصناف
واصلت موجة الهجوم المدمرة زحفها إلى أكسفوردشير ومنها انتقلت عبر وادي نهر التيمز إلى لندن، حيث وصلها الطاعون في نوفمبر عام 1348. في يناير التالي، أجل الملك البرلمان بسبب أن «وباء فتاكا استشرى فجأة في المكان المشار إليه ومناطق الجوار، وكان قد ازداد حدة بصفة يومية؛ من ثم أخذت المخاوف الشديدة في الاعتبار في سبيل سلامة أولئك الوافدين إلى هناك آنذاك.»
أورد روبرت من آفيزبيري أنه كان يجري دفن أكثر من 200 جثة كل يوم في مدفن واحد في لندن، حيث كان قائما نصب تذكاري على شكل صليب مكتوب عليه أن أكثر من 50 ألف جثة دفنت هناك، مع أن هذا في الغالب هو على الأرجح مبالغة أخرى في الأرقام بعد انقضاء الحدث. وهكذا استمر عدد الوفيات الهائل، وسرعان ما اكتظت المدافن الموجودة بالجثث وجرى تخصيص وتدشين أراض جديدة للدفن في منطقتي سميثفيلد وسبيتل كروفت.
رفض سائقو عربات النقل من الريف المحيط بلندن نقل المؤن الغذائية إليها خشية أن يصابوا هم أنفسهم بالمرض، ونتيجة لذلك غادر كثيرون المدينة بحثا عن الطعام، حاملين المرض معهم. كتب ويليام دين، وهو راهب يقطن مدينة روتشستر بمقاطعة كنت، عندما توغل الطاعون هناك:
اجتاح طاعون لم يسمع بمثله من قبل إنجلترا في هذا العام ... يا للحسرة على مصابنا الجلل! قضى هذا الموت على جمع هائل من كلا الجنسين حتى إنه لم يتبق أحد ليحمل الجثث إلى القبور. كان كل من الرجال والنساء يحملون أولادهم على أكتافهم إلى الكنيسة ثم يلقون بهم في حفرة جماعية. كانت تنبعث من هذه الحفر روائح نتنة للغاية حتى إنه لم يكن أحد يجرؤ على المرور بالقبور.
للأسف كانت هذه هي القصة المألوفة للموت؛ معاناة وحسرة.
يختلف المؤرخون حول إجمالي عدد الأفراد الذين لقوا حتفهم جراء الطاعون في لندن؛ فقد أشار البعض إلى أن عدد الوفيات بلغ 100 ألف نسمة، إلا أن التقدير الأكثر منطقية يتراوح في الغالب ما بين 20 و30 ألف نسمة من الوفيات، من إجمالي عدد سكان تراوح ما بين 60 و70 ألف نسمة، وهو ما يتناغم مع معدلات الوفيات في المدن الإنجليزية الأخرى.
آنذاك انتشر الموت الأسود شمالا على جبهتين رئيسيتين، الجانبين الشرقي والغربي من إنجلترا، وقد تلاقت الجبهتان وسط إنجلترا التي عانت خسائر فادحة في الأرواح.
اتسع نطاق الجبهة الغربية ليصل إلى جنوبي ويلز. في مدينة كارديجان كان معدل الوفيات هائلا والخوف من العدوى عظيما، حتى إنه كاد يستحيل أن تجد أشخاصا يشغلون وظائف معينة مثل شماس، أو موظف إداري (حاجب المحكمة أو مراقب) أو عريف. من إجمالي 104 مستأجرين، مات 97 فردا أو فروا قبل منتصف الصيف. تحرك الموت الأسود أيضا إلى أعلى الحدود بين إنجلترا وويلز ومنها إلى منطقة سنودونيا، وفي آخر المطاف وصل إلى جزيرة أنجلسي. في تلك الأثناء ساعدت الجبهة الشرقية - التي تبدأ على الأرجح من مدينة كامبريدج، ومنطقة إيست أنجليا التي ضربها الطاعون ودخول المزيد من الأوبئة عبر الموانئ التي تقع على الساحل الشرقي - في استفحال الطاعون هناك. انتقل أيضا الطاعون عبر طريق جريت نورث رود إلى مدن يورك ودرم ونيوكاسل. وفي الغالب عبر الوباء جبال بيناينز سالكا الطريق الروماني بمحاذاة سور هادريان، وهكذا وصل كارلايل.
حارب السير ويليام دو ويكبريدج إلى جانب الملك إدوارد الثالث في حرب المائة عام مع فرنسا، وقد ورث ضيعة كريتش (المعروفة باسم كارديل في المسلسل التلفزيوني «بيك براكتيس») بمقاطعة دربيشير. بعدما حل الموت الأسود، كان هذا الرجل قد فقد خلال ثلاثة أشهر والده وزوجته وثلاثة إخوة وأختين وأخت زوجته. ما إن رحل الطاعون، حتى أصبح ثمن الأرض بخسا للغاية، واستطاع السير ويليام أن يبرم مجموعة من الصفقات الناجحة، حيث استفاد من هذا في وهب مذبحين بداخل كنيسة كريتش، كانا كنيستين صغيرتين بداخل الكنيسة الكبيرة مخصصتين لإقامة القداسات اليومية على روح مؤسسهما.
وهناك قصة ذلك الفلاح الذي كان يقطن مقاطعة درم وفقد كل أفراد عائلته في الوباء، فما كان من الرجل المسكين إلا أن جال لسنوات في أنحاء الريف بحثا عنهم.
نامعلوم صفحہ