عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
اصناف
الفصل الثاني
الموت الأسود يعبر القنال الإنجليزي
لطالما أنقذ القنال الإنجليزي بريطانيا من الغزو على مر التاريخ، بدءا من أسطول الأرمادا الإسباني ووصولا إلى الحرب العالمية الثانية. وهناك داء الكلب، ذلك المرض المستوطن في البر القاري الرئيسي، لكن حتى مع وجود نفق للقنال، فإنه لا يزال نادرا في إنجلترا، إلا أن القنال الإنجليزي لم يحل دون وصول الموت الأسود.
في عام 1348، عاش شعب إنجلترا في ظل مجتمع إقطاعي، حيث عمل الفلاحون في أراضي علية القوم. كانت القرى تتكون من أكواخ ذات أسقف مصنوعة من الأغصان ومغطاة بالجص، وكانت تتألف من طابق واحد وغرفة واحدة. وكانت هذه الأكواخ رطبة وباردة ومظلمة حيث لم تكن توجد مداخن أو نوافذ، وكانت الأرضيات مغطاة بالقش والطين، أما الأثاث فمنضدة مزدوجة الأرجل، وزوج من المقاعد الطويلة ثلاثية الأرجل، وفراش من القش أو أوراق الشجر.
وكان النظام الغذائي للأفراد مكونا في الأساس من الثريد والجبن والخبز الأسود، وبعض الخضراوات المزروعة في المنزل. إلا أن صيف هذا العام كان رطبا على نحو غير طبيعي، وتعفن الشوفان والقمح والتبن والقش في الحقول بسبب الأمطار التي كادت لا تنقطع. انتشرت المخاوف من أن يكون المحصول ضعيفا، ومن أن يكون في انتظارهم شتاء من القحط والجوع، لكنهم كانوا يجهلون أن عدوا أسوأ بكثير وشيك الظهور.
أغلب الظن أن الطاعون دخل بريطانيا من بلدة مالكوم ريجيس (يطلق عليها الآن وايمث) بمقاطعة دورست، التي كانت آنذاك بلدة وميناء مهما على الساحل الجنوبي، وإن كان يعتقد أيضا أن مدينتي بريستول وساوثهامبتون هما نقطة الدخول. وربما يكون قد أتى من جزر القناة، التي كانت مضطربة بالفعل، وكان الصيادون غير قادرين على دفع الضرائب لأنهم كانوا جميعا قد أصيبوا بالطاعون. جرى تأريخ وصوله في أيام مختلفة في الفترة ما بين يونيو ومطلع أغسطس عام 1348.
حركة الموت الأسود في أنحاء إنجلترا عقب وصوله إلى وايمث بمقاطعة دورست عام 1348.
مع أن ثمة قليلا من الروايات المعاصرة عن الطاعون في بريطانيا (على عكس أوروبا القارية)، فإن الشعور السائد بالكرب واليأس يتضح جليا في هذا السرد التاريخي لما وقع من أحداث:
سطرت أنا الراهب جون كلاين من رهبنة الإخوة الأصاغر ومن دير كيلكني في هذا الكتاب الأحداث البارزة التي وقعت في زماني، والتي شهدتها بعيني أو علمت بها من أشخاص موثوق فيهم. وخشية أن تندثر أمور جديرة بالتذكر مع الزمن، وتسقط من ذاكرة الأجيال الآتية بعدنا، أنا شاهد على هذه الشرور الكثيرة عندما أصبح العالم كله في قبضة إبليس، وسط الموتى منتظرا قدوم الموت. بناء على ما سمعت وتحريت بحق، اختصرت كل هذه الأمور في كلمات. وخشية أن تفنى الكلمات مع كاتبها، والعمل مع صانعه، أترك هذه المخطوطة كي يستكمل العمل الذي قمت به، إذا حدث وتصادف أن نجا أي إنسان، وفر أي شخص من نسل آدم من براثن هذا الوباء اللعين، وأكمل العمل الذي بدأته.
يمكن تحديد المسار العام لانتشار الموت الأسود من السجلات الكنسية التي تصف مدى السرعة التي تعين بها على الأساقفة في كل أسقفية أن يعينوا كهنة جددا ليحلوا محل أولئك الذين لقوا حتفهم. اجتاح الطاعون أول ما اجتاح دورست ثم صوب حرابه غربا نحو مقاطعتي ديفون وكورنوال مسفرا عن عدد الوفيات المعتاد المرتفع، ثم شرقا نحو مدينة ساوثهامبتون والمقاطعات الجنوبية. أما الصفعة التي تلقاها الشمال فقد كانت بمنزلة الضربة القاضية؛ إذ شق الطاعون طريقه في مقاطعة سومرست (حيث أصيبت معظم البلدات) إلى ميناء بريستول حيث «قضى الأفراد نحبهم كما لو كان الموت المفاجئ قد اختطف كامل قوة المدينة». «استشرى الطاعون هنا في بريستول عام 1348 إلى الدرجة التي لم يستطع معها الأحياء في الغالب دفن موتاهم.» ثم واصل الوباء انتشاره إلى مدينة جلوستر حيث حاول السكان عزل أنفسهم بلا طائل؛ فقد وصل عدد الوفيات إلى نسبة صاعقة؛ حوالي 90 بالمائة من السكان.
نامعلوم صفحہ