عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
اصناف
قد تسهل التغيرات في أنماط السلوك البشري انتشار أحد الأوبئة. (على سبيل المثال، تعزى زيادة نسبة الأمراض التي تنتقل عن طريق العلاقات الجنسية مؤخرا - منها فيروس نقص المناعة البشرية - مباشرة إلى تغيرات في السلوكيات الجنسية.)
المتعضيات المقاومة للعقاقير؛ فيمكن للأمراض التي صارت تمثل خطرا بسيطا نسبيا على صحة الإنسان أن تعاود الظهور لأن العوامل المعنية تكون مقاومة للعقاقير التي صنعت لعلاجها. بكتيريا مرسا (أو المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين) هي جراثيم خارقة يمكنها أن تقاوم الكثير من المضادات الحيوية، ولطالما كانت تمثل مشكلة خطيرة في المستشفيات وبيوت الرعاية؛ حيث تصيب جروح المرضى الذين أوهنهم مرض أو إصابة. بل الأمر الأكثر إثارة للإزعاج، أنها هربت الآن من المستشفيات حيث تطورت، وأصبحت تكمن في الأنحاء المحيطة بنا. عند أخذ عينات عشوائية، عثر على البكتيريا على قلم في أحد بنوك الشوارع الرئيسية، وعلى مقعد في مترو الأنفاق، وعلى أحد أزرار شارة عبور المشاة، وعلى أرضية متجر بيع ملابس.
يبدو الآن أن سلالة جديدة من سلالات مرسا آخذة في البزوغ، وهي تنتقل عبر الاتصال الجلدي، بل يمكنها أن تصيب حتى الأصحاء، وهي تنتشر كالنار في الهشيم داخل الزنازين المكتظة بالأفراد، وقد كان هناك أيضا العديد من موجات التفشي ضيقة النطاق مؤخرا في مدن وبلدان في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. معظم المصابين يكونون من الذكور المثليين، لكن قطعا لا تنحصر جراثيم مرسا الخارقة في هذه الفئة فقط؛ فقد سقط رياضيون، وأطفال مدارس، وحديثو ولادة ضحايا أيضا، وأولئك الذين يمارسون رياضات تقتضي التلامس في خطر أيضا؛ ففي ولاية تكساس في سبتمبر عام 2002، على سبيل المثال، ظهرت 50 حالة بين أطفال المدارس في باسادينا، بعضهم كانوا مشتركين في فريق كرة القدم.
انتقلت جراثيم مرسا الخارقة إلى الحيوانات المستأنسة؛ مما أثار المخاوف من أن تصيب أصحاب هذه الحيوانات، وقد تأكد ظهور حالات بين القطط والكلاب وفئران التجارب والخيول في الولايات المتحدة الأمريكية. وذكر تقرير صادر في ديسمبر 2003 رصد حالات في القطط والكلاب وأرنب واحد في المملكة المتحدة.
تستطيع الميكروبات الموجودة أن تتحور إلى أشكال أكثر خبثا. على سبيل المثال، ثمة خطر دائم من ظهور جائحة إنفلونزا فتاكة أخرى مثل تلك التي ظهرت عام 1918 بسبب ظهور سلالة جديدة.
يوضح التقرير أن أنماط السلوك البشري اليوم تحول الأمراض المعدية إلى خطر عالمي، ليس فقط على صحة السكان، وبقائهم على قيد الحياة، ورفاهتهم، وإنما أيضا على اقتصادات كثير من البلدان، بل على الاستقرار والأمن الاجتماعيين وفي بعض الأجزاء من العالم. يتخفى حجم الخطر تحت قناع حقيقة أن هذه التغيرات تحدث تدريجيا. على ما يبدو، لا يزال معظم الناس على قناعة بأن الإجراءات المعتادة لمكافحة الأمراض المعدية ستكون قادرة على مواكبة التغيير. الأمر المذهل هو اكتشاف حوالي 400 مرض يمكنها أن تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، لكن العمل الصبور والدقيق الذي يقوم به علماء الأوبئة والأحياء الدقيقة يشير إلى أنه يمكننا الآن أن نتعامل معها وأن ننعم بنوم هادئ ليلا.
بيد أن الخطر الأكثر جسامة يتمثل في انبثاق أمراض فيروسية جديدة ومريعة من الحيوانات. لقد ظهر فعليا منذ عام 1970 على الأقل 30 مرضا معديا لم تكن معروفة قبلا وليس لها علاج فعال تماما. ويفوق عدد هذه الأمراض الأمراض التي ظهرت في خلال الثلاثة الآلاف عام السابقة، وإن كانت التطورات الحديثة في الطب وعلم الأحياء قد سهلت بالطبع التعرف عليها. في الغالب نشأت أمراض كثيرة - بما فيها الطاعون النزفي - في أوقات مختلفة في حيوانات أفريقية لتصيب قرى وقبائل صغيرة؛ مما أسفر عن حالات وفاة غامضة لم يأت أحد على ذكرها، وبعدها صارت في طي النسيان. بالتأكيد كان هذا هو الحال قبل عهد الطبيب ليفنجستون.
ظهر مرض غير معروف في قرية أفغانية في مارس 2002، وأودى بحياة 40 شخصا. والسبب الحقيقي للذعر هو حتمية ظهور المزيد من الأمراض الفتاكة في السنوات المقبلة. ها هنا تكمن المشكلة: فبمقدورنا مكافحة حتى الأمراض شديدة البشاعة، مثل الإيبولا والنسخة الجديدة من سلالة مرض كروتزفيلد جاكوب، والتعامل معها، وإن كانت حمى غرب النيل والحمى النزفية لا تزالان تثيران بعض المخاوف ويجري ترصدهما بحذر شديد، لكن مثال فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز ينتصب بارزا أمام أعيننا؛ فهذا الفيروس ظهر وهرب وانتشر في أنحاء العالم قبل أن يتم التعرف عليه بالكامل، وحتى بعدما تم التعرف عليه، أبى الأفراد فرض التدابير اللازمة للفحص والمكافحة الجماعيين. على سبيل المثال، عولت السلطات الصحية في بريطانيا على حملة دعائية. واليوم يدفع العالم الثمن؛ فلسوف يفقد 42 مليون طفل في 27 دولة أحد والديهم أو كليهما بالإيدز بحلول عام 2010، مع أنه مرض لا ينتقل بسهولة، فالعدوى الرذاذية أكثر فاعلية بدرجة هائلة.
من المستبعد أن يتم القضاء على فيروس نقص المناعة البشرية تماما الآن؛ فلسوف يواصل الانتشار ببطء وإزهاق أرواح الأفراد على نحو متزايد باستمرار. بيد أن سكان العالم يواصلون النمو بمعدل أسرع، ووفيات فيروس نقص المناعة البشرية تافهة مقارنة بالوفيات المترتبة على ضربة مفاجئة من مرض جديد شديد العدوى مثل الموت الأسود. (5) حالة فزع
حتى الأوبئة التافهة بمقدورها أن تثير حالة هلع واسعة النطاق، تعقبها مضاعفات دولية، إذا كانت موجة التفشي لمرض مجهول. ظهر فيروس رئوي مجهول في إقليم جوانجدونج في جنوب الصين في ديسمبر 2002، وبعدها بشهرين، كانت حالة من الهلع قد انتشرت على نطاق واسع، ووصلت إلى شنغهاي، التي تبعد مسافة يوم سفر بالقطار. اجتاح ملايين الصينيين الصيدليات والمتاجر لشراء المضادات الحيوية ومضادات الالتهاب والخل والأقنعة الجراحية بكميات ضخمة، ونفد كل مخزون هذه الأشياء بالرغم من ارتفاع أسعارها.
نامعلوم صفحہ