عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
اصناف
نحيا الآن في ظل اقتصاد عالمي، على المستويين المالي والاجتماعي. تتجاوب أسواق المال في كل مكان في الحال مع أي حدث يقع في أي مكان في العالم ويرى المتداولون أنه سوف يؤثر في قيمة الأسهم. والنتائج المترتبة على أي اضطراب في المجتمع العالمي المعقد - مثل وباء كبير - تؤثر في الحال في كل أنحاء العالم من فورها.
أخيرا، وبسبب الثورة التكنولوجية، صار الناس في البلدان المتقدمة معزولين عن الطبيعة؛ فنحن لسنا أقوياء أو مرنين أو نتمتع بالاكتفاء الذاتي بنفس القدر الذي كان عليه أجدادنا، فإنتاج السلع وتوزيعها يعتمد على مجموعة محيرة من التقنيات، بالأخص الكهرباء ومحركات الاحتراق الداخلي. وإذا بدأت أعداد كبيرة من الناس تموت جراء الموت الأسود، ولجأ آخرون إلى التملص والهروب، فإن نسيج مجتمعنا التكنولوجي المعقد سوف يتمزق؛ مما يترتب عليه استفحال آثار الوباء استفحالا هائلا. بعدئذ كيف سيتمكن الناجون من بدء حياتهم من جديد؟ معظمنا سيعجز حتى عن إشعال النيران من دون ثقاب . (3) خطوط المكافحة
هل من الممكن الاستعداد لمثل هذه الاحتمالية؟
المعرفة قوة. لقد صرنا ندرك الآن أن وجهة النظر التقليدية عن الموت الأسود خاطئة؛ فهو لم يكن موجة تفش للطاعون الدبلي، ولم يكن ينتقل عن طريق الفئران والبراغيث، فلو أنه كان طاعونا دبليا وعاد إلى أوروبا، ما كان هناك مدعاة للقلق لأن الطاعون الدبلي يعالج بسهولة، وأي وباء كان سيمكن التغلب عليه بسهولة. إلا أن الموت الأسود كان في الواقع نتيجة لفيروس غير معروف يحتمل أن يعاود الظهور في أي وقت. إلا أنه لن يكون جديدا بالكامل علينا. نأمل أن يعرف أي شخص قرأ هذا الكتاب ماذا يتوقع.
إذا عاود الموت الأسود الظهور فعليا، فسوف تظهر على أول الضحايا أعراض مشابهة لتلك الأعراض الموصوفة في الروايات المختلفة التي اقتبسناها من قبل. نأمل أن يتم تمييز هذه الأمارات في الحال على أنها طاعون نزفي وألا يتم تشخيصها عرضا على أنها «مجرد مرض ناشئ آخر»؛ ذلك لأن نجاح أي مكافحة للموت الأسود سوف يعتمد على التشخيص المبكر واتخاذ الإجراءات الفورية.
للأسف، ليس هناك ما يمكن فعله من أجل الضحايا، إلا أنه ينبغي فرض تدابير صحية صارمة في الحال لمحاولة التغلب على العدوى المبدئية إن أمكن. ستتضمن هذه التدابير: عزل الضحايا، والاستخدام واسع النطاق والإجباري للأقنعة الطبية (نظرا لأن انتقال العدوى يحدث عن طريق العدوى الرذاذية)، وإلغاء كافة التجمعات العامة التي تقام على مساحة كبيرة، وفرض حجر صحي مدته 40 يوما على أي شخص مشتبه في إصابته بالعدوى، وارتداء الملابس الواقية، وتحريم كافة التنقلات من المنطقة المصابة وإليها، وبالأخص التنقلات جوا.
لكن كما بينا، فالسلاح الخفي للطاعون النزفي الذي جعله فعالا إلى حد مرعب هو فترة حضانته الطويلة إلى حد استثنائي؛ لهذا السبب، سيستحيل تقريبا تعقب كل شخص ربما يكون أصيب، فلن تكون السلطات الصحية مستعدة كما ينبغي. والإجراءات المذكورة سابقا لن تكون وحدها كافية، مثلما وجدها شعب أوروبا من واقع خبرتهم السيئة في القرن الرابع عشر.
سيحتاج مسئولو الصحة العامة تبني استراتيجيات أكثر جذرية ؛ فالأعراض الأولى لن تظهر إلا بعد مرور شهر على الأقل من إصابة الضحية الأولى - أغلب الظن ستكون في أفريقيا - وفي خلال هذا الشهر ربما يكون قد سافر لمسافات كبيرة ونقل العدوى عن غير قصد إلى أشخاص كثيرين.
من ثم سيكون هناك ضرورة لخط مكافحة ثان. كما شرحنا، يمكن تحديد تواريخ إصابة الضحايا ومتى يصيرون قادرين على نقل العدوى بدقة من تاريخ الوفاة. لا بد من التتبع الصارم لتنقلاتهم من اليوم الذي يصبحون فيه قادرين على العدوى، واقتفاء أثر كل الأشخاص الذين يحتمل أن يكونوا قد احتكوا بهم. ستكون هذه مهمة شاقة للغاية تقتضي تعاونا دوليا كاملا ونشطا. في أفضل الأحوال الممكنة، حيث لا تتنقل الضحية كثيرا إبان الفترة التي تكون فيها قادرة على نقل العدوى، ستتمكن تقنيات العزل الشامل من التغلب على موجة التفشي.
الاحتمال الأغلب أن الضحايا سيكونون قد انتقلوا عبر مساحات كبيرة، بل نقلوا العدوى إلى ركاب على متن رحلات الطيران الدولية القادمة من أفريقيا، ولربما استقلوا وسيلة مواصلات عامة مزدحمة، وحضروا مباريات رياضية، وتواجدوا وسط تجمعات أخرى. إن تعقب كافة الأشخاص الذين احتكوا بهم سيكون مستحيلا، وستكون هناك ضرورة عاجلة لتنفيذ عزل ومنع شاملين لكافة التحركات في أي منطقة من المناطق التي زاروها. ستكون السلطات الصحية في كل أنحاء العالم في حالة تأهب لموجات العدوى الثانية والثالثة؛ فنظرا لأنهم يعرفون صفات الفيروس، فإنهم سيتمكنون من تحديد التواريخ التقريبية للوقت الذي يتوقع ظهور الأعراض فيه. سيتعين تطبيق نفس التدابير - من عزل، وارتداء الأقنعة الطبية، واقتفاء أثر من تعرضوا للعدوى - تطبيقا صارما في كل مرة تظهر فيها حالة جديدة.
نامعلوم صفحہ