عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
اصناف
ثاني قرار اتخذه أهل القرية في يونيو عام 1666 تمثل في إلغاء الجنازات المنظمة أو الدفن في فناء الكنيسة؛ إذ نصحهم الكاهن بدفن موتاهم في الحدائق أو البساتين أو الحقول.
كان ثالث قرار اتخذه الكاهن هو غلق الكنيسة وإقامة العبادة والصلوات في الهواء الطلق؛ ومن ثم تجنب احتشاد الناس معا في الأماكن المغلقة. وكانت العبادة تقام في مدرج كوكلت دلف الطبيعي حيث كان يلازم كل فرد عائلته، التي كان يفصل كل منها عن الأخرى مسافة ما (على الأقل 4 أمتار)، فيما كان مومبسون يقف على صخرة بارزة ليعظهم.
كانت كل هذه التدابير احتياطات سليمة لمكافحة مرض معد، وساعدت على حصر الإصابات بداخل العائلات، وفي الغالب ساعدت في كبح جماح نوبة التفشي. وفي آخر المطاف فشلت هذه التدابير وجرى الوباء مجراه الطبيعي (وإن كانت تدابير الصحة العامة ربما قد أوهنته) لثلاثة أسباب رئيسية:
أولا: لم تبدأ ممارسات العزل في خريف عام 1665. ثانيا: لم يفهم الناس دلالة فترة الحضانة الطويلة على نحو صحيح، وإنما صبوا تركيزهم، بدلا من ذلك، على الضحايا مع ظهور الأعراض. بحلول وقت ظهور الأعراض كانت تقل فعليا درجة نقل المرضى للعدوى؛ فمعظم الضرر يكون قد وقع بالفعل. أخيرا: كان المرض ينتشر بسهولة أكبر بكثير في الهواء الطلق في مناخ الصيف الدافئ، وكان التغلب على العدوى أكثر صعوبة في هذا الوقت. (6) روايات وباء إيم
عاش مارشال هاو، الذي كان عاملا في منجم للرصاص، في كوخ على الجانب الغربي من إيم، وقيل إنه أصيب بالمرض لكن تعافى منه، مع أنه فقد في وقت لاحق زوجته وابنه. ولما رأى أنه في مأمن من المرض، تطوع لدفن الجثث حينما تعجز العائلات عن القيام بهذه المهمة. بعد ذلك بدأ يفرض رسوما للدفن، وكثيرا ما كان يستولي على مقتنيات المتوفين. يبدو أنه كان شخصية بغيضة، وكان يستغل مصائب الآخرين، وتذكر السجلات أنه بينما كان يجر جسد رجل يدعى أنوين، ظانا أنه ميت، استعاد الرجل - أنوين - وعيه وطلب رشفة ماء ونجا من الطاعون. نعتقد أنه ربما وقع خطأ صغير في السجلات في مكان ما، وأن هذا الرجل مارشال هاو هو نفسه الرجل الذي تزوجته ماري هادفيلد؛ ففي النهاية، فقد كلاهما زوجه بسبب الطاعون. وهي ليست بالنهاية الرومانسية بالنسبة لماري.
رأت إليزابيث هانكوك عائلتها تنمحي من على وجه الأرض في أسبوع واحد؛ حيث فقدت اثنين من أطفالها في الثالث من أغسطس، أعقبهما اثنان آخران وزوجها جون في السابع من أغسطس، ثم لقيت ابنتان أخريان حتفهما في التاسع والعاشر من نفس الشهر. رأى أهل ستوني ميدلتون - وهم يتسلقون الحد الصخري ليجلبوا المؤن والطعام إلى القرية المنكوبة - إليزابيث وهي تجر الجثث لدفنها في حقل بالقرب من منزلها. وعقب انتهاء الوباء، ذهبت لتعيش برفقة ابنها المتبقي الوحيد في شيفيلد. وقد عاد أحد أحفاده إلى إيم، وجمع شواهد قبور الأبناء المتفرقة وجمعها حول قبر أبيهم، حيث يحوطها الآن سور لحمايتها، وهو المكان الذي يطلق عليه قبور رايلي.
استمر مومبسون وزوجته في دأبهما على زيارة أهل أبرشيته. وذات أمسية، نحو التاسع عشر من أغسطس 1666، فيما كانا عائدين من إحدى هذه الزيارات، يقال إنها صاحت فجأة في حماس قائلة: «ما أطيب رائحة الهواء.» لا بد أن يكون الكاهن قد شل من الصدمة؛ إذ لم يكن يشم أي شيء غير مألوف، لكنه كان يدرك أن هذه واحدة من العلامات المميزة للطاعون. وماتت زوجته بين ذراعيه في الخامس والعشرين من أغسطس، ويمكن رؤية قبرها، الذي تلتقط له الكثير من الصور، في فناء الكنيسة.
على ما يبدو فإن هذه الرائحة الطيبة كان يشمها الضحايا قبيل ظهور الأعراض المؤلمة مباشرة. نجد مثالا آخر على موضوع الرائحة الطيبة مسجلا في ضيعة كوربار، التي تبعد ميلين جنوب شرق إيم، والتي كانت قد عانت من وباء قبل 30 عاما في 1632؛ حيث كانت امرأة في زيارة لمنزل إحدى الضحايا، ولدى مغادرتها قالت لزوجها: «آه يا عزيزي، ما أحلى رائحة الهواء.» وفي تلك الليلة ظهرت على المرأة الأعراض الرئيسية، ووافتها المنية بعدها بخمسة أيام. هذه الرائحة الناتجة عن المرض هي في الغالب علامة مبكرة على موت أنسجة الأعضاء الداخلية. ترجع أهمية هذه القصة أيضا إلى أنها توضح أن الطاعون كان متواجدا في وقت غابر في هذه المنطقة النائية من دربيشير.
كانت مارجريت بلاكوول (التي لا يزال منزلها قائما في إيم) تعيش مع أخيها فرانسيس؛ فقد توفي أفراد عائلتهما الآخرون قبل ذلك. وفي نهاية المطاف أصيبت مارجريت بالمرض، وبدا أنها في المراحل الأخيرة عندما صب أخوها - الذي كان قد أعد الإفطار لنفسه - الدهن الزائد في وعاء وتركه في المطبخ. وعندما غادر المنزل كان على يقين من أنها ستكون قد فارقت الحياة لدى عودته. وبعد رحيله بقليل، تغلب العطش الشديد (أحد الأعراض التقليدية للطاعون) على مارجريت التي كانت محمومة، فقامت من فراشها، وما إن وجدت الدهن الدافئ الذي ظنت أنه لبن، حتى ازدردته بشراهة، ما جعلها تتقيأ أغلب الظن. وعندما عاد فرانسيس وجد مارجريت لا تزال على قيد الحياة، بل أقوى بكثير على نحو باد للعيان كذلك. تعافت مارجريت وظلت على قناعة بأن دهن الخنزير قد عالجها.
إنه لمن المدهش أن تعرف أن فرانسيس ومارجريت بلاكوول هما على الأرجح، في رأينا، أهم شخصيتين تاريخيتين في هذا السجل التاريخي للطاعون في قرية إيم. ثمة واحدة من أحفاد فرانسيس بلاكوول على قيد الحياة وتعيش في إيم اليوم. وكما سنرى لاحقا، فحص علماء البيولوجيا الجزيئية تكوينها الجيني، وتمكنوا من إثبات الكيفية التي تمكنت بها مارجريت بلاكوول منذ 300 عام أن تصاب بالطاعون ثم تنجو، لم يكن للأمر علاقة بدهن الخنزير. (7) المقاومة الغامضة للمرض
نامعلوم صفحہ