فقال عزت: لكل إنسان أسرة حقيقية خلق لها، وباهتدائه إليها يبدأ حياته الأصلية.
فهتفت بدرية: كان علينا أن نضل طويلا قبل أن نهتدي إلى أنفسنا!
وانغمس عزت في إلهام عجيب، فتح قلبه لإشراق باهر، وأحب بقوة خيالية كل شيء، غير أنه كان أيسر عليه أن ينفصل عن قلبه أو كبده من أن ينفصل عن حمدون وبدرية أو المسرح الذي هيأ لهم الالتحام الأبدي. وقال إن بالدنيا كنوزا من الأفراح لا تخطر على بال، ولكن على من يروم السعادة أن يكون حاسما مع المعوقات المتلفعة بظلمة الأركان العتيقة. وقال: أرغب في الغناء لولا قبح صوتي!
فقال حمدون ضاحكا: لنترك هذه المسألة لضميرك.
وقالت بدرية مشيرة إلى حمدون: كثيرا ما كان يصحو من نومه فيقول: «حلمت بعزت!»
فسأله عزت: بم كنت تحلم؟ - آه ... ما أسرع أن تنسى الأحلام!
فقالت بدرية: لكني ما زلت أذكر حلما رواه لي، رأى أنكما ترقصان معا في قارب. - ترى ما تفسيره؟ - إنه لا يهتم بذلك.
فقال فرج يا مسهل: لقد تحقق في مسرحنا «الفردوس»؛ فهو قارب على شاطئ النيل.
وسرعان ما رحبوا بالتفسير، غير أن عزت تساءل في نفسه: ترى ماذا كنت أحلم في ذلك الزمن؟! •••
في طريقه إلى الحارة امتعض كثيرا، فلعن الحركة القسرية التي تختم بها الدائرة، حتى الغرزة أوى أصحابها إلى مضاجعهم. وهو يخوض الظلمة ارتطم به معتوه معروف يطيب له الهيمان في الظلمة، وقع رأسه عليه وهو يتمتم بكلمات ممطوطة لا معنى لها، فسال لعابه على خد عزت وعنقه. تقزز الفتى ودفعه بقوة، فارتمى على ظهره عاويا. وجاءت نحنحة الخفير من بعيد محذرة متسائلة، فبلغ به القهر منتهاه، وانطلق منه قرار متكامل الأبعاد غير مسبوق بتدبير، كما ينقض قاطع طريق متربص، أن يرجع إلى الأبد، أن يقفز من شرفة الحصن العتيق ليقتنص حظا جديدا.
نامعلوم صفحہ