ودار الحوار القصير كما تخيله حمدون، وكان يمثل ما وسعه ذلك، ولكنه لم يفلح في حمل عزت على التمثيل، تخيل عزت بدرية في دور جولييت. هذه هي الحكاية. ولكن أين صاحبة الدور الحقيقي؟!
وتابعت عين المنظر من شباك حجرتها فلم تفهم شيئا، وقالت لنفسها: إن الأطفال يجيئون إلى الدنيا بالأعاجيب، وتلت آية الكرسي وقلبها ينضح بالعطف على اليتيم. •••
وتغير حمدون تغيرا ملموسا ... فتنته بالمسرح لا تخمد أبدا ... ملأ بعض وقت فراغه بهواية جديدة هي القراءة ... بشيء من الصعوبة كان يقرأ ما تصل إليه يداه من إعلانات، مجلات، قصص بوليسية، واهتدى أخيرا إلى ألف ليلة وليلة. ومنه تعلق عزت بالقصص البوليسية، فلم يقرأ بدافع الحب وحده إلا القرآن والقصص البوليسية. وقال حمدون: ستكون العطلة الصيفية رائعة، سنمثل كل حكاية نقرؤها.
فقال عزت: لننقل المسرح إلى الحارة. - فكرة ... هل تضايقت أمك من اللعبة؟ - أبدا ... ولكن لعلنا نضم إلينا ممثلات!
فضحك حمدون وراح يمسح على حاجبيه البارزين ويقول: فكرة مستحيلة. - أليست بدرية جارتك! - ولكن بيني وبينها جدارا أقوى من جدار القبو العتيق.
ولكنه يراها، ربما كل يوم، ويستحق لذلك الحسد. •••
في ختام العام الرابع نجح كلاهما في الابتدائية. كان النجاح بالقياس إلى عزت معجزة. قدمت لهما الحلوى في الحديقة. في الثانية عشرة من العمر أعلن حمدون عن رغبته في أن يصير ممثلا ومؤلفا. ابتسم عزت ولم يصدق. وقالت عين: اختر عملا لا لعبة.
كان حماسه أقوى مما يتصوران. وسألت عين وحيدها: وأنت؟
مط بوزه في غير مبالاة. إنه يحب شيئين متنافرين؛ العبادة والسيادة. يعتز بأمه وبداره، ويهوى فؤاده الوجاهة. لم يكن متكبرا، ولكنه يضمر أن يكون خليفة أمه، ربما في الدار والحارة، أو في الدار وحدها! وتمتمت عين: أود أن أراك عظيما.
ولم يدر ما العظمة على وجه الدقة، ولكن فؤاده هفا إليها.
نامعلوم صفحہ