وآنست من الرجل لطفا وإكراما كثيرا فطمعت في أن يطلق سراحها بعد أن شغل القوم بالحرب فقالت: «فأنتم إذن ذاهبون بنا إلى البذ؟»
قال: «نعم يا سيدتي وهي على بعد أيام من هنا.»
قالت: «وهل حتم أن أذهب معكم؟»
فأدرك الرجل أنها تشير إلى إمكان تسريحها فقال: «إن أمر مولانا قضاء لا سبيل إلى نقضه، هذا ولو أننا أخلينا سبيلك هنا لكنت في خطر شديد، إن لم يكن من اللصوص فمن الوحوش.»
وكانت خيزران على فرس وراء فرس جهان، فالتفتت جهان إليها فابتدرتها خيزران قائلة: «وما الذي تخافينه عند «بابك» ومثلك لا يخشى عليه؟!»
فتشجعت جهان بكلام خيزران وأدركت أنها لم تقل ذلك اعتباطا. ثم عادوا إلى المسير صعدا وجهان تلتفت إلى ما حولها تتأمل وحشة ذلك المكان وسعة تلك الغيضة، فوقع بصرها من بعد على مدينة أردبيل، ورأت ساحتها الكبرى غاصة بالجند وبالرايات الإسلامية، وهي تعلم أن الأفشين نفسه ليس هناك؛ لأنها تركته في فرغانة، وأن النازلين بأردبيل فرقة من جنده.
وكان الوقت ظهرا فحث الركب خيولهم للخروج من الغيضة قبل دخول الليل خوفا من المبيت فيها. ولما اجتازوها وواصلوا السير بعدها مروا بمدن كثيرة منها أرشق وخش وبرزند. ورأت جهان رايات المسلمين على أسوار هذه المدن التي ليست إلا محطات لاختزان مئونة الجند أثناء انتقاله لمحاربة بابك. فكانت كلما تقدمت أحست ببرد الطقس حتى أشرفوا على البذ. فرأتها أشبه بالمعقل أو القلعة منها بالمدينة؛ لأنها مؤلفة من قصور عدة كالقلاع يحيط بها كلها سور هائل عليه الأبراج والأبواب وفوقها أعلام الخرمية، والأرض في تلك الجهات جبلية وعرة يصعب مرور الجند فيها بأثقاله وأحماله. فعلمت أن بابك التجأ إلى ذلك المعقل لمناعته حتى يكاد يستحيل على المسلمين أخذه.
وسبق واحد من الركب إلى البذ يستأذن في الدخول ويسأل أين ينزلون جهان، ثم عاد وأشار بالدخول من باب غير الذي كانوا عازمين على الدخول منه. ولما صارت جهان داخل السور شعرت كأنها في قفص فاستوحشت، وأحست خيزران بوحشتها فساقت فرسها إلى جانبها وسألت كبير القوم: «أين أنت ذاهبون؟» فقال: «إن مولانا الآن في خارج البذ، وقد أمر أن نأخذ عروسه الجميلة إلى قصر النساء هنا فتمكث فيه مكرمة معززة حتى يأتي.»
فأجفلت جهان عند سماعها قوله: «عروسه»، ولكنها تجلدت وظلت ساكتة حتى أقبلوا على القصر. وله سور خاص ورحبة وحديقة. وكأنه حصن قائم بنفسه، فوقف لهم الحراس ووسعوا. فدخلت جهان وقهرمانتها على فرسيهما من الباب الكبير. حتى إذا دنت من الباب الصغير المؤدي إلى المساكن ترجلت وترجلت خيزران معها. وأسرع بعض الخدم لتناول الفرسين وقد أدهشهم ما رأوه في تلك القادمة من الجمال والهيبة؛ لأنها لا تتحجب.
وأسرع عريف الركب إلى الوقوف بين يدي جهان باحترام وقال: «أرجو أن تكون سيدتي قد أغضت عن جرأتي في حملها على غير ما تريد فإني مكره على هذا بأمر سيدنا ومولانا، ولكنني بذلت جهدي في راحتها، وأرجو أن تذكرني بالخير لدى الأمير، فلا شك في أنها ستكون الآمرة الناهية!»
نامعلوم صفحہ