وسأل عن الخليفة فعلم أنه في دار العامة وقد تقاطر القواد والخاصة لتهنئته بالنصر، فمكث حتى خلا المجلس من الناس ومضى معظم النهار فاستأذن فأذن له، فرحب به الخليفة وأدناه منه وهش له متلطفا، فدعا ضرغام له وهنأه. ولحظ الخليفة انقباضا في وجهه فقال: «كأني أرى الصاحب مغضبا؟»
قال: «لا يغضب العبد بين يدي مولاه ولكنني قلق.»
قال: «وما الذي أقلقك يا صاحبي؟» قال: «أقلقني أن الأفشين تعدى علي.»
قال: «بماذا؟ وعهدي بك حكيم لا تدع مجالا لاختلاف.»
قال: «ليس الخلاف على منصب أو مغنم ولكن ساقت الأقدار فتاة خطبتها إلى عمورية، فوقعت سبية في يد الأفشين وهو يعلم أمرها فأخذها لنفسه.»
فاستغرب المعتصم كيف يكون له خطيبة في عمورية فقال: «زدني إيضاحا.»
قال: «يذكر مولاي، زاده الله نصرا، أنه أكرمني في سامرا بياقوتة وأمرني أن أتزوجها فخالفت أمره ولم أفعل، كما ذكرت له بالأمس، ولم يسألني أمير المؤمنين ساعتئذ عن السبب، وهو أني كنت علقت بفتاة أخرى من فرغانة خطبتها وتعاهدنا على الزواج يوم ندبتني للذهاب إلى فرغانة لجلب الجواري. وتوفي أبوها أثناء ذلك وأتاني أمر الخليفة أن أرجع فرجعت إلى سامرا وأجلت الزواج. وحدثت بعد ذلك أحداث يطول شرحها آلت إلى خطف الفتاة حتى وصلت إلى عمورية. وكانت سجينة في قصر ناطس بطريقها.
فلما فتحنا المدينة طلبتها في القصر فلم أجدها. وبعد البحث علمت أنها عند الأفشين، وحدثتني نفسي أن أدخل عليه وأطالبه بها فخفت أن نختصم وتتفرق كلمة الجند ونحن أحوج إلى الاتحاد. فرجعت إلى مولاي أعرض عليه أمري ليرى رأيه.»
فأطرق المعتصم لحظة ثم قال: «هذا أمر يسير، فلا أظن الأفشين يمسك عليك خطيبتك، والسبايا كثيرات وقد بيعت الواحدة بدراهم معدودة.» وصفق فجاء أحد الغلمان فأمره أن يستقدم الأفشين.
وبعد قليل جاء الأفشين فدخل وسلم فلما رأى ضرغاما هناك أدرك سبب الدعوة ولكنه تجاهل وسكت، فقال له الخليفة: «دعوتك لأمر يهم الصاحب وأنت تعلم منزلته عندي.»
نامعلوم صفحہ