وكانت القهرمانة تتكلم وجهان مصغية تسمع كلامها بشوق ولهفة. ثم أجابتها قائلة: «إنه تطوع للعمل في خدمة المعتصم لعلمه أن الرجال إنما تظهر مواهبهم في مثل هذا الوقت. وكان قد تغلب عليه الوهم الذي أراه متغلبا عليك؛ فرغم أنه لا يستحقني، وأنا أراه يفضلني بدرجات، فالمرء لا يقدر بمزارعه ومنازله وإنما بمواهبه ومناقبه، وأنت تشهدين والناس كلهم يشهدون بأنه لا يبارى في مواهبه ومناقبه. ولا ريب عندي أنه سيبلغ أرقى مراتب الجند، فقد سمعنا بأناس من رقيق البلاد ابتاعهم الخليفة ورباهم وجندهم فبلغ بعضهم وبلغوا مراتب القواد. فكيف بضرغام وهو كما تعرفينه وأعرفه!» وكانت تقول ذلك ولسانها يكاد يتلعثم لخفقان قلبها وثورة عواطفها.
فأدركت القهرمانة مما سمعت أنها عالقة بضرغام، وهي تعرف ثباتها على رأيها فلم تر أن تعارضها لكنها قالت: «لا شك عندي أن ضرغاما سينال مرتبة عليا في جند المعتصم، ولكن عروس فرغانة أرقى من أن ينالها القواد؛ فإن الملوك يخطبون رضاها.» قالت ذلك جادة تعني ما تقول لا على سبيل الإطراء والمجاملة. ولكيلا تترك لجهان وقتا للتفكير والجواب أظهرت أنها تعبت من الركوب والتفتت إلى ما حولها فوجدت أنها على مقربة من تل يشرف على أودية كانت تأتيها جهان للصيد، فقالت لها: «ألا ترين أن نترجل للاستراحة هنا قليلا ثم نعود إلى الركوب إذا شئت؛ لأني لا أصبر صبرك على هذه المشقة؟»
فأجابت جهان بالقبول. وترجلتا فسارع السائس إلى الجوادين فانتحى بهما ناحية، وافترش لنا ذنبها على صخرة مبسطة فوق التل قعدتا عليها واشتغل هو بعلف الجوادين. ثم أشارت جهان إلى الخادمين بأن يتوغلا في الأودية يستطلعان حال الصيد هناك.
الفصل الثالث
كتاب ضرغام
قالت القهرمانة لجهان: «كيف رأيت كلامي يا سيدتي؟»
قالت: «لا بدع إذا أطريتني وأعجبت بي فإني بمنزلة ابنتك وكل أم بابنتها معجبة حتى تظن الملوك يقتتلون عليها.»
فقالت: «إني لم أقل ما قلته إلا واثقة من صحته، وهل هناك شك في أن أعظم ملوك الفرس يطلبون رضاك؟!»
فهزت جهان كتفيها مفكرة مستبعدة وقالت: «ملوك الفرس؟ وهل للفرس ملوك اليوم؟» فاستبشرت القهرمانة بقرب إقناعها بعلو مرتبتها؛ لأنها على ثقة مما تقول فقالت: «لا تهزي كتفيك يا سيدتي. إن للفرس ملوكا عظاما لا يلبثون أن يعيدوا سلطان الأكاسرة. ألا تعرفين مازيار صاحب طبرستان؟ ألا تعرفين بابك الخرمي صاحب أردبيل؟ إن كلا من هذين ملك عظيم تخضع له الألوف من الأبطال، ولكنه في الوقت نفسه يخضع لعروس فرغانة، ويضحي بحياته في سبيل رضاها.»
فهزت جهان رأسها مستخفة وقالت وهي تنظر إلى جوادها الأدهم سارحا يرعى العشب: «دعينا من الملوك، لا أرب لنا في غير ضرغام. وما لنا وبابك ومازيار وأين نحن من أردبيل وطبرستان؟»
نامعلوم صفحہ