فأطاعهما، وبعد أن ارتديا زي الخرمية خرج بهما، وأوصى رجاله أن يحرسوا الباب حتى يعود، موهما إياهم أن الأسيرين عنده في جملة الأسرى الذين أخذوا تلك الليلة. وأطل حماد من السور فرأى البذ مضاءة وسمع الضوضاء وسطها فصاح في رجاله فلم يجد منهم أحدا فنادى خادمه فأسرع إليه فقال: «أين الرجال؟»
قال: «ألم تسمع يا مولاي طبل الهجوم؟»
فقال: «كلا.» وكأنه شغل عنه بضرغام ووردان.
فقال الغلام: «ضربت الطبول وصدر الأمر بأن يجتمع الرجال للدفاع عن الباب الشرقي؛ لأن المسلمين هجموا عليه بقيادة قائدهم الأكبر على ما يقال.»
فقال: «الأفشين نفسه؟» قال: «لا أدري.»
فالتفت وردان وضرغام معا إلى معسكر الأفشين فرأيا النار المثلثة موقدة فتأكدا من الهجوم، فقال ضرغام: «هلم بنا إلى القصر.»
ركب كل من حماد وضرغام ووردان جوادا من جياد الخرمية، وأركضوها إلى قصر النساء، فلقوا أهل البلد في هرج وخوف وليس فيهم رجل لم يحمل سلاحه ليدافع عن نفسه، وقد ظنوا حمادا ورفاقه من المغيرين، ثم رأوا نفرا من المسلمين وسط المدينة ينهبون وأصبحوا كلما اقتربوا من الباب الشرقي رأوا المسلمين يتكاثرون فتحققوا أن البلد قد أخذ، فلم يبالوا. ولما وصلوا إلى القصر رأوا جنود المسلمين يخرجون منه حاملين الأمتعة والرياش، ورأوا بعضهم يقود نساء فاختلج قلب ضرغام خوفا على جهان أن تكون في الأسرى، فدخل القصر مع وردان، فقال لهما حماد: «تمهلا حتى أعرف الخبر اليقين من مصدره.» قال ذلك واتجه إلى غرفة بقرب الباب رآها موصدة، فقرعها فلم يسمع جوابا، فكلم الذين في داخلها بلسانهم ففتحت لهم امرأة كهلة أدخلتهم وأغلقت الباب خلفهم وهي ترتعد من الخوف، فقال لها حماد: «ما الذي جرى يا خالة؟»
قالت: «ألم تر ما جرى؟ فتحوا المدينة، وجاءوا إلى هذا القصر فدخلوه ونهبوه وسبوا نساءه ولو لم أختبئ هنا، أو لو كان لي بقية من جمال أو مال لأخذوني فاكتفوا بأخذ حليي وانصرفوا.»
فلما سمع ضرغام قولها: «سبوا نساءه»، ارتعدت فرائصه ولم يكن وردان أقل منه اضطرابا ولكنه كان أصبر منه على كتم شعوره، وأدرك حماد لهفتهما فسأل القهرمانة: «أخذوا كل النساء؟» قالت: «نعم.»
قال: «وجلنار أيضا؟» قالت: «لا ... جلنار لم يأخذوها.»
نامعلوم صفحہ