تلك هي الامتيازات، وهذا ما تحمله العرب نظيرها؛ ولذلك تراها عزيزة عليهم. (3) قيمة الامتيازات في الزمن الماضي والوقت الحاضر
كانت امتيازات العرب التي ذكرناها ظاهرة في الزمن الماضي بمظهرها الفخيم، وكان للأهالي والحكومة الماضية الحق في أن يحسدوهم عليها، أما الأهالي فلأنهم كانوا يحملون أثقال المظالم ويسامون أنواع الخسف والحيف، فتارة يساقون أفواجا مسخرين للأعمال العمومية أو لمصالح الكبراء وهم ينظرون مجاوريهم العرب نظيفي الأيدي مطلقي السراح من هذا الأسر، وتارة يكبون على وجوههم ويوجعون بل يقتلون ضربا بالسياط لا فرق بين وجيه وحقير والعربي لا يمس خاطره بكلمة ولو كان صعلوكا، وطورا يقاسون غير ذلك من وجوه الخسف التي لا تحصى.
وأما تلك الحكومة فكانت تحسد العرب على شممهم؛ لأنهم لم يخفضوا لها جناح الذل، ولم يؤدوا لها أكثر من الحق، وفضلا عن حفظهم كرامتهم من جورها كانوا يحمون منها كل من يلجأ إليهم من الأهالي المستضعفين، الذي كانوا يأوون إلى نجوع العرب وعزبهم، ويقيمون في جوارهم أو في خدمتهم آمنين.
تلك قيمة امتيازات العرب في الزمن الماضي، وهي قيمة غالية تستحق أن تشترى بالنفوس التي ضحيت في سبيلها. أما الآن وقد رفعت عن الأهالي كل المظالم التي كان العرب يمتازون عليهم بالمعافاة منها، وأصبحوا وإياهم سواء في التمتع بالراحة إلا من خفر الجسور في وقت الفيضان وهذا يوشك أن يلغى نظامه الإجباري، وخففت مصاعب الخدمة العسكرية النظامية، وسهلت طرق التخلص منها بأوجه المعافاة المدونة في القانون أو بالبدل النقدي اليسير حتى كادت تكون اختيارية محضة، فقد ضعف شأن تلك الامتيازات إلى ما لا يكاد يحس؛ إذ انحصرت في المعافاة من الخدمة العسكرية، ومن خفر جسور النيل زمن الفيضان، وكلاهما يسير جدا؛ فالخدمة العسكرية لا يبلغ من يلحق بها ومن يدفع البدل النقدي اثنين في الألف من ذكور الأهالي،
3
وخفارة النيل لو قسمت على ذكورهم القادرين على العمل - أي الذين من سن 15 إلى 50 - لما خص الواحد أكثر من نصف يوم في السنة.
4
فإعفاء العرب من هذين النظامين يقدر طبعا بهذه النسبة، أي أن الحكومة تعفي اثنين في الألف من ذكورهم من الخدمة العسكرية أو دفع البدل، فلو وزعنا بدلية الاثنين على الألف لخص الواحد أربعة قروش، وتعفي القادرين على العمل من اشتغال الواحد منهم نحو نصف يوم في السنة في خفر النيل، وأجرة نصف اليوم على الأكثر قرشان. جملة ذلك ستة قروش. هذه هي قيمة امتياز العرب الآن، وهي لا تستحق من الحكومة هذا الاهتمام الكبير الذي جعل الأمر في أعين العرب كبيرا لهذا الحد، فليتها تطرح الاهتمام به ظهريا حتى يراه أصحابه بقيمته الحقيقية.
بقي معنا أمر النظامات الصحية وليس فيها شيء من الضرر حتى يعد الإعفاء منها مزية، بل فيها من الفوائد المادية لمن تنفذ عليهم ما يوجب الشكر للحكومة، ولكن العرب لا يزالون يعدون استثناءهم منها نعمة كبرى عليهم. (4) الفوائد التي نتجت من توطن العرب
تحققت آمال الحكومة في سياسة توطن العرب إلا من الوجهة التي لم تلتفت إليها، وهي توثيق الرابطة بينهم وبينها، وإقناعهم بحسن قصدها في كل نظام تشرعه لهم؛ فإنها لم تعمل ما يؤدي إلى هذه النتيجة، وأما في ما عدا ذلك فقد حصلت على النتائج الآتية: (1)
نامعلوم صفحہ