ولا أعتقد أن السبب في عدم الفهم هذا راجع إلى الشعوب العربية الأخرى، بل هو راجع في الأصل وفي الأساس إلى كل شعب على حدة. وهكذا فأعتقد أننا في مصر المسئولون الأول عن أنه لا المشرق العربي ولا المغرب العربي ولا أي مكان يفهمنا، بل أحيانا يخيل لي أننا أنفسنا لا نفهم أنفسنا حق الفهم.
هكذا قضيت الأيام العشرة الماضية أفكر في تلك المشكلة المحيرة.
ذلك أنها - في رأيي - ليست مشكلة سوء فهم، أو سوء علاقات ناتجة عن سوء فهم، ولكنها تشكل الآن قضية الحياة أو الموت، ليس فقط لنا كمصريين وإنما كمصريين وعراقيين وفلسطينيين ولبنانيين وسعوديين وليبيين ومغاربة وجزائريين وسودانيين ... إلخ.
وسأقول حالا لماذا هي قضية حياة أو موت.
وبالذات أقولها لهذا النفر القليل من مفكرينا ومثقفينا وبعض قياداتنا الشعبية التي أصبحت تنادي بالعودة إلى المصرية بمعناها المحلي القديم، و«سيبونا» من هؤلاء «العرب» الذين «ودونا في داهية» ... إلى آخر هذه النغمة.
هؤلاء الناس يجدون آذانا صاغية كثيرة، خاصة والمثل واضح أمامنا وصريح. دخنا نحن في صراع مرير طويل من أجل القومية العربية، وخضنا ضد إسرائيل أربع حروب، ومات منا مئات الآلاف، وأنفقنا عشرات الآلاف من ملايين الجنيهات، وتهدمت مدننا، بينما النتيجة أن بلاد البترول العربية استفادت حتى من حرب أكتوبر المجيدة وتضاعف سعر بترولها، أي دخلها من عام 1952 إلى الآن ربما أكثر من عشر مرات، بينما الدخل عندنا نحن كان ينخفض، وأزمات المأكل والملبس والمواصلات تشتد.
ولكي أكون صادقا لا بد أن أقول إن هذا المثل ليس افتراء على الوقع، بالعكس هو مائة بالمائة صحيح. بفضل هذه المعارك الذهبية المتصلة أعتقد أن العالم العربي الآن انقسم إلى دول غنية ودول فقيرة، دول تزداد غنى ودول تزداد فقرا.
ولكن المغالطة في المثل واضحة أيضا، فنحن لم نحارب أصلا للدفاع عن موارد البترول وحراسته، إنها كانت حروبا موجهة ضدنا نحن، ضد مصر بالذات، ضد قائدة هذه الأمة الروحية والثقافية والحضارية، ضد القمة النامية المخيفة في المنطقة.
ولم تكن مجرد حروب عسكرية وسياسية وتآمرية، ولكنها كانت وبالأساس حروبا ثقافية واقتصادية. إن كل خبراء البترول في العالم يجمعون على أن في الصحراء المصرية الغربية والشرقية حقول بترول هائلة الضخامة، فجيولوجيا من المستحيل أن يمتد عرق البترول من الجزائر إلى ليبيا وبالضبط يتوقف عند حدودنا المصرية، ويستمر توقفه حتى حدود مصر الشرقية ليبدأ في البحر الأحمر والسعودية إلى العراق وإيران. لا يمكن علميا هذا إلا إذا كانت الجيولوجيا قد تآمرت مع الاحتكارات البترولية من قديم الأزل. الصحيح أو الأكثر صحة أن تكون الاحتكارات البترولية هي التي تآمرت ضد الجيولوجيا المصرية بالذات.
التاريخ يعيد نفسه
نامعلوم صفحہ