وابتغيت عند قومك دين إبراهيم فلم أجده. وها أنا ذا أعود إلى بلادي وفي نفسي حسرة الحرمان واليأس، وشيء ضئيل من أمل مع ذلك.
قال صبيح متلهفا: شيء ضئيل من أمل!
قال الشيخ: نعم! فقد زعم لي راهب من رهبانكم في البلقاء منذ ثلاثة أعوام أن هذا الدين الحنيف الذي أطلبه لا يوجد في بلاد الروم، ولا ينتظر أن يظهر عند النصارى أو اليهود.
قال صبيح: وإنما يرجى أن يظهر في مكة حيث كنت تقيم!
قال الشيخ: وما علمك بذلك، فقد أنبأني به راهب البلقاء؟
قال صبيح: نعم! ويرجى أن يظهر على يد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب هذا الذي كنت أسألك عنه وعن أنبائه.
قال الشيخ وقد ملكه العجب، وكاد يطير شغفا بأن يعلم ما عند صبيح: من أنبأك بهذا؟ ومن أظهرك عليه؟
قال صبيح: فإني يا سيدي رجل من الروم، قد أنكرت ما عند قومي، وخرجت مثلك أبتغي خيرا مما عندهم، فعرفت كثيرا، ثم هممت أن أستقصي النبأ، وأبلغ الغاية، وأنتهي إلى الحجاز، وأرى هذا الفتى القرشي الذي تظاهرت أنباء الأحبار والرهبان وأخبار الكتب والنبوات على أنه النبي الذي أظلنا زمانه، فحل بي ما ترى، وأصبحت راعيا للإبل في حي من كلب بن وبرة!
واتصل الحديث بين الشيخ وصبيح وقتا طويلا، حتى أنكر الحي غيبته، وأشفقوا أن يكون قد أغار عليه وعلى إبله بعض المغيرين. ولكنهم رأوه مقبلا يسعى، وينبئهم بأن شيخا من سادة قريش الأباطح قد ألم بهم يسمى زيد بن عمرو.
وقد احتفى القوم بضيفهم الكريم، وقروه كأحسن ما يكون القرى، وأنزلوه منهم أحسن منزل. ولكنهم عجبوا من أمره إذ رأوه حين يتقدم الليل وهموا أن يتفرقوا عنه يدعو إليه صبيحا ذلك العبد الرومي، ويتقدم إليه في أن ينفق معه ما بقي من الليل. لم يفهم الكلبيون من هذا السيد القرشي كلفه بهذا العبد، وشغفه به وحرصه على صحبته! ولعلهم أن يكونوا قد أحسوا في نفوسهم بعض الموجدة! فقد كان هذا الشيخ القرشي خليقا أن يستعين على أرق الليل بالتحدث إلى الأكفاء والنظراء من سادات كلب وأشراف العرب، ولكنه يؤثر بالحديث عبدا روميا لا يعرف من هو، ولا من أي موطن جاء. على أنهم لم يظهروا من موجدتهم هذه شيئا، ومضوا في إكرام ضيفهم إلى ما أحب. قال بعضهم لبعض: شيخ مقبل من بلاد الروم، فلا بأس أن يصطفي هذا العبد الرومي ليتحدث إليه ببعض ما رأى، ويسأله عن بعض ما لم يفهم.
نامعلوم صفحہ