قال «كلكراتيس»: أما أني فكرت في الموت فهذا حق، ولست بدعا من الذين فكروا فيه قبلي. ولئن تعجلته فلن أكون بدعا من الذين تعجلوه. وأما أني التمست العزاء في جوار «فيدون»، فهذا خطأ! لأني لم ألتمس عزاء، ولم أطلب خلودا، ولم أفكر فيه، وإنما تحدثت إلى نفسي بالموت، ثم أعرضت عن هذا الحديث! لأن خطب قيصر أهون من ذلك، ولأني ما يزال لي في الحياة أرب. ثم ذكرت هذه الآية من آيات أفلاطون، فأقبلت عليها أستمتع بما فيها من سحر البيان، وما أكثر ما قرأتها، وما أكثر ما سأقرؤها! إني لا أخاف الموت ولا أكره حديثه، كما تخافه أنت وتكره حديثه.
قال «أندروكليس»: فقد أرضيتني، ورددت إلى نفسي طمأنينتها، أنبأتني بأنك لن تتعجل الموت؛ لأن لك في الحياة أربا. وخطب قيصر، وخطب الناس جميعا، وخطب الآلهة أيضا، أيسر وأهون من أن نتعجل في سبيله الموت وما يزال لنا أرب في الحياة. ولكن المشكلة ما زالت قائمة! فإن قيصر يأمر عماله، ومنهم صديقنا، أن يشتدوا في حمل الناس على دين المسيح، وأخذهم بالجد في ذلك أخذا حازما عنيفا، إن احتاجوا إلى الحزم والعنف.
فماذا ترى لنفسك؟ وماذا ترى لصديقنا؟ وماذا ترى لي؟
قال «كلكراتيس»: وما أرى لصديقنا ولا لك إلا ما رأيته أنت وقبله صديقنا. فإني لا أريد ولا أستطيع أن أحملكما على ما أريد، وأستطيع أن أحمل عليه نفسي.
قال «أندروكليس»: وعلام تريد أن تحمل نفسك؟
قال «كلكراتيس»: على معصية قيصر.
قال «أندروكليس»: أو تفعل؟
قال «كلكراتيس»: نعم.
قال «أندروكليس»: فإن عاقبة هذا العصيان لن تمسك وحدك، ولكنها ستمسنا جميعا. ولست أخفي عليك أني لا أريد أن أتعرض للأذى؛ لأن لي في الحياة ولذتها أربا. فإذا تحدثت إليك الآن ناصحا بالتؤدة والأناة، فإني مخلص في النصيحة غير متهم؛ لأني سأخالفك وآمن كيد قيصر وأذاه. إنما أنصح لك بالأناة إشفاقا عليك أنت. وأنا أعلم أني لن أستطيع إكراهك على الحياة إن آثرت الموت، ولا على الدعة إن آثرت العذاب، وإن كان موتك يشقيني، وعذابك يؤذيني. ولكني أشفق على صديقنا، وما أراك إلا مشفقا عليه مثلي. فإن عصيانك لقيصر سيضطره إلى إحدى اثنتين كلتاهما شر: فإما أن يجاريك فيشاركك في الشقاء، وإما أن يجاري قيصر فيدفع إلى البطش بك، وما أراه يفعل. أفكرت في هذا كله؟ أقدرت هذا كله؟
قال «كلكراتيس»: فإني ما زلت في التفكير والتقدير منذ اليوم.
نامعلوم صفحہ