قال عمرو: «ويلك! ماذا أصابك؟»
قال الشيخ: «دعني! دعني! واشرب حتى تفرغ ما في هذا القدح؛ فقد أعلمتك من أمر ابن عبد المطلب ما كان ينبغي أن تعلم، وما زلت تجهل أكثره؛ لأن أمر ابن عبد المطلب لم يتجاوز أوائله بعد.»
قال عمرو: «وهل تنزل الملائكة من السماء وتلقي إلى الناس أخبارها؟»
قال الشيخ: «محمد يزعم ذلك، ويزعمه كذلك نسطاس وورقة بن نوفل، ومن قبلهم زعمه أهل الكتاب.»
قال عمرو وهو يعب في القدح عبا شديدا: «وما بال السماء لم تختر لأمرها غير محمد؟! أليس في قريش إلا محمد!»
قال الشيخ وهو يبتسم ابتسامة منكرة: «كلا! ليس في قريش غير محمد، ليس فيها الوليد بن المغيرة، وليس فيها أمية بن خلف، وليس فيها عتبة بن ربيعة ولا شيبة بن ربيعة، وليس فيها أبو الحكم عمرو بن هشام فتى مخزوم وسيدها!»
قال عمرو وقد ظهر في وجهه غيظ شديد: «أما إذ قلت ذلك فإن مخزوما كلها لتبغض هاشما كلها، وقد كنت أنقم من بني أمية تكلفهم وأنفس عليهم جدهم في تجارة قريش وحرصهم على سياتها، فأما الآن فلا والله ما أبغض أحدا كما أبغض بني هاشم، ولا أجد من الضغن على أحد كما أجد على فتاهم هذا الذي يسمونه الأمين!»
قال الشيخ في صوت فاتر متكسر: «هون عليك أبا الحكم! فإنك لم تبل من بغض هؤلاء الناس إلا أهونه وأيسره، ولتبلغن العداوة بينك وبينهم أقصاها. فإذا بلغت ذلك فاذكر أن صديقك أبا مرة ليس منك ببعيد، وأن زقه ما زال رويا يسبأ للذات في كل يوم، كما قال امرؤ القيس.» ثم سكت قليلا ثم استأنف حديثه في صوت ضئيل: «قد أوشك الليل أن ينقضي أبا الحكم، وآذن الصبح بإسفاره، فعد إلى أهلك فقد شققنا عليهم، ولكنهم لم يعلموا من سهرنا ولا من سمرنا شيئا.»
قال عمرو: «لم يعلموا من سهرنا ولا من سمرنا شيئا! اسقني أبا مرة! فقد حرمت علي النوم من ليلتي هذه.» ولكن أبا مرة لم يسقه ولم يجبه. وينظر عمرو فلا يرى أحدا، فينهض متثاقلا وهو يقول: «لم يعلموا من سهرنا ولا من سمرنا شيئا!»
6
نامعلوم صفحہ