العدل الإلهی اور اس کا اثر مخلوقات میں
العدل الإلهي وأين أثره في المخلوقات
اصناف
ولما كان الزمان تعاقب الأشياء الفانية ومقياسها، فإذا جمعنا ألوفا من ألوف من القرون والأحقاب فلا يكون هذا العدد إلا نقطة زهيدة في الأبدية، كما أن الألوف في الألوف من الفراسخ تعد نقطة حقيرة في الفضاء، وإذا مضى على حياتنا الروحية عدد من القرون يوازي قدر ما يكتب على طول خط الاستواء فينقضي هذا العدد الجسيم والنفس كأنها اليوم ولدت، وإذا أضفنا إلى العدد المذكور سلسلة أخرى من الأعداد ممتدة من الأرض إلى الشمس، وأكثر من ذلك فلينقض هذا العدد غير المدرك قياسه من القرون، والنفس لا تتقدم يوما واحدا في الأبدية؛ ذلك لأن الأبدية لا حد لها ولا قياس، ولا يعرف لها بدء ولا نهاية، فإن كانت القرون المذكورة لا تعد ثابتة بقياس الأبدية فما أهمية عمر الإنسان على الأرض؟
قال: إذا ألقينا النظر إلى ما حولنا ألفينا اختلافا جسيما وتمييزا جوهريا في كل المواد المؤلف منها العالم، فانظر إلى كافة الأشياء الطبيعية - كانت أو صناعية - وانظر ما أعظم التغاير في صلابتها وضغطها ووزنها وسواها من الخصائص التي يتميز بها الهواء مثلا عن عرق الذهب، والنقطة المائية من الحجارة المعدنية، والأنسجة النباتية المتنوعة من الأنسجة الحيوانية على اختلاف طبقاتها، ومع هذا فنستطيع أن نثبت بوجه الإطلاق أن كل المواد المعروفة والمجهولة - مهما عظم تباينها وكثر تنوعها - إن هي إلا أشكال وأنماط متقنة تظهر فيها مادة أصلية واحدة تحت فعل القوى الطبيعية المتعددة.
قال: إن الكيمياء التي بلغت اليوم عندكم درجة رفيعة من التقدم، وقد كانت تعد في أيامي من متعلقات العلوم السحرية، قد قوضت مسألة العناصر الأربعة التي أجمع الأقدمون على تركب الطبيعة منها، وأثبت أن العنصر الترابي إن هو إلا تركب مواد متنوعة في تفنناتها إلى ما لا انتهاء له، وأن الهواء والماء قابلا التحليل، وهما متركبان من بعض الغازات، وأن النار ذاتها ليست بعنصر أصلي، بل حالة من المادة ناتجة عن نوع من الحركة العامة يصحبها احتراق حسي أو كامن.
وبمقابلة ذلك اكتشفت الكيمياء عددا وافرا من العناصر المجهولة، منها تتألف كل الأجرام المعروفة، وسمتها عناصر بسيطة؛ إشارة إلى أنها أولية غير قابلة التحليل إلى ما هو أبسط، ولكن فعل الطبيعة لا يقف حيثما وصلت تقديرات الإنسان، وحكم أدواته، بل المتتبع بنظره إلى ما تجاوز حد المعرفة البشرية لا يرى في كافة العناصر المركبة والبسيطة إلا مادة واحدة أصلية، تتجمع في بعض النواحي لتنشأ منها العوالم، وتتفنن أشكالا وأنواعا في مدار حياتها، وتعود إلى مأوى الفضاء بعد انقراضها.
قال: ومن المسائل ما نعجز نحن الأرواح المغرمين بالعلوم عن التعمق فيها، فلا نأتي بحلها إلا بآراء شخصية مبني أكثرها على أقيسة افتراضية، أما مسألة وحدة المادة فلا شبهة فيها ولا تخمين، ومن يأخذ قولي على محمل الافتراض أقول له: استوعب - إن أمكن - بنظرك تفننات أعمال الطبيعة كلها، فتتحقق يقينا أن بدون وحدة المادة يتعذر عليك شرح نبات أصغر بذرة ونتاج أحقر دويبة، وأما الباعث لتنوع ما تراه في المادة فهو تباين القوى التي تولت أمر تحولاتها، والظروف التي كانت عليها وقت نشأتها، إنما هو جوهرها في الأصل واحد، وكل ما يقع أو لا يقع تحت نظرك من الأجرام والسوائل فهو صادر من مادة أصلية واحدة مالئة الكون غير المحدود. ... إذن إحدى الدويبات الحقيرة التي تقضي حياتها الوجيزة في قعر البحار، ولا تعرف من الطبيعة إلا الأسماك وغابات المياه، نالت فجاءة من العقل ما مكنها من درس عالمها، وأخذت عليه تقيس أفكارها في الكائنات، فما عسى أن يكون تصدرها للعالم الأرضي غير الواقع تحت نظرها؟
وإذا بمعجزة أخرى انتقلت هذه الدويبة من القعر إلى ما فوق المياه بالقرب من جزيرة غناء اكتست بمروج زاهية، فأي تغيير يطرأ على أفكارها السابقة؟ وكم تتسع دائرة تصوراتها ولئن ما زالت هذه دون الحقيقة؟
هذا بين حال علومكم في الحاضر يا بني البشر.
قال: إن سيالا عاما يملأ الفضاء غير المحدود، وينفذ الأجرام بأسرها يدعى الأثير أو المادة الأصلية، ومنه تتولد كافة العوالم والكائنات، فهذا السيال تلازمه أبدا القوى أو النواميس الطبيعية المتولية تقلبات المادة ومسرى العوالم، وهذه النواميس المختلفة - على اختلاف تركبات المادة والتعننة في أنواع فعلها على مقتضى الظروف والمراكز - تعرف في أرضكم بالثقل والتلاصق والمناسبة والتجاذب والمغنطيسية والكهربائية ، ثم حركات العامل الاهتزازية تدعى عندكم صوتا وحرارة ونورا ... إلخ، وأما في العوالم الأخرى فتظهر هذه النواميس تحت أوجه أخرى، وبخاصيات مجهولة عندكم، وإن في سعة السماوات غير المحدودة تفننات من القوى نعجز عن إحصائها وتقدير عظمتها، كما تعجز الدويبة في قاع البحار عن استيعاب كافة الحوادث الأرضية.
وكما أن لا وجود في الأصل إلا لمادة واحدة بسيطة تتولد منها كافة الأجرام والتركبات الهوائية، هكذا كل القوى الطبيعية صادرة عن ناموس أصلي واحد متفنن في مفاعيله إلى ما لا انتهاء له، فرضه الخالق منذ الأزل؛ ليقوم به نظام الخلقة وبهاء الكائنات، إن الطبيعة لا تضار ذاتها، وشعار الكون هو هذا: الوحدة في التفنن، فإن صعدت في سلم العوالم وجدت وحدة النظام والخلقة مع تفنن لا يعرف حده في تلك الأجرام الفلكية، وإن أجلت بنظرك في مراتب الحياة من أحقر الكائنات إلى أعلاها وجدت وحدة التناسب والتسلسل، كذلك القوى الطبيعية كلها صادرة بالتسلسل عن قوة أصلية واحدة تدعى بالناموس العام.
قال: يتعذر عليكم في الحاضر استيعاب هذا الناموس في شمول اتساعه؛ لأن القوى الصادرة عنه والداخلة في دائرة أبحاثكم محدودة مقيدة، إنما قوة التجاذب والكهربائية تفصحان لكم نوعا عن الناموس العام الأصلي الشامل السماوات والكائنات، فكل هذه القوى الثانوية أزلية عامة كالخلقة، بملازمتها للسيال العام تعمل ضرورة في كل شيء وفي كل مكان، ويتنوع عملها بالمقارنة والتعاقب، فتتغلب في مكان وتمحي من آخر، يظهر فعلها ههنا وتكمن هناك، عاملة أبدا في تجهيز العوالم وإدارتها وحفظها وملاشاتها، متولية أعمال الطبيعة ومعجزاتها حيثما قامت ضامنة على هذه الصورة بهاء الخلقة الأزلية ونظامها الأبدي.
نامعلوم صفحہ