وقد يشبه أن تكون أمثال هذه الأسباب يحتويها على جهة الغنى والغزارة، وهذا هو أن يخبر بالأوسط بعد أن يبعد بعدا كثيرا. مثال ذلك قول أنا خرسس إنه ليس فى بلد الصقالبة الغناء وآلاته، إذ كان ليس قبلهم كروم. أما الخلافات بين القياس على «أن» الشىء، وبين القياس على «لم» الشىء فى علم واحد بعينه فهى هذه الخلافات. فأما فى علمين مختلفين فيكون على نحو آخر، وهذا أن يكون أحد العلمين ينظرفى أحدهما، والعلم الآخر فى الآخر منهما. وأمثال هذه العلوم هى جميع العلوم التى حال أحدهما عند الآخر هى هذه الحال التى أنا اوصفها، وهى أن يكون أحد العلمين تحت الآخر بمنزلة علوم المناظر عند الهندسة، وعلم الحيل عند علم المجسمات، وعلم تأليف اللحون عند علم العدد، والظاهرات عند علم النجوم. وذلك أنه كاد أن تكون هذه العلوم متواطئة أسماؤها بمنزلة علم النجوم التعاليمى والذى تستعمله صناعة الملاحة، وبمنزلة تأليف اللحون، أعنى التعاليمى والسماعى. وذلك أن العلم بأن الشىء فى هذه هو لمن يحس بالأمر، وأما العلم بلم هوفهو لأصحاب التعاليم، إذ كان هؤلاء هم الذين عندهم العلم بالأسباب، وكثيرا ما لا يشعرون بأنه كالحال فى الذين يبحثون عن الأمر الكلى؛ فإنهم كثيرا ما لا يشعرون ببعض الأوحاد لقلة تأملهم لها. وهؤلاء هم جميع الذين يستعملون الصور، وهى شىء آخر فى الجوهر. وذلك أن أصحاب التعاليم إنما يستعملون الصور: وهى لا على شىء موضوع، وذلك أنه وإن كانت المقادير على شىء موضوع، غيرأنه ليس يستعملها من حيث هى على ذلك الأمر الموضوع.
وقد يوجد علم آخرحاله عند علم المناظرة كحال هذا عندعلم الهندسة، مثال ذلك أمر القوس الحادثة فى السحاب: أما أنها موجودة فهو إلى الطبيعى، وأما لم هى فالنظرفى ذلك إلى صاحب علم المناظر: إما على الإطلاق وإما الذى هوفى التعاليم. — وكثير من العلوم التى ليس بعضها تحت بعض هذه حالها بمنزلة حال علم الطب عند الهندسة، وذلك أن الجرح المستدير: أما أنه عسير البرء فعلمه إلى الطبيب، وأما لم ذلك فإلى المهندس.
[chapter 14: I 14] 〈فضل الشكل الأول〉
صفحہ 353