الفصل الثاني
وضعت الأم ابنها البكر، وتضع ابنها أوتوفون بسمارك بعد ذلك بخمس سنين، وكان ذلك أيام عودة الإمبراطور نابليون من جزيرة إلبة، وكان ذلك حين حبوط مؤتمر فينة وارتباط بروسية في أوروبة بحلف جديد، وفي اليوم الثاني من أبريل سنة 1815 يصدر الإمبراطور بباريس بيانا ضد ذلك الحلف، وفي ذلك اليوم يمكن البرليني أن يقرأ في جريدة فوسيش إعلانا عن ولادة ابن للهر فون بسمارك بكنيبهوف، ويبصر الصبي في أمه خصما له منذ أوائل عمره فيبتعد عنها في صباه، وعلى ما كان من حبه العجيب لآله لم يبد في سنواته الأخيرة غير ما يؤكد ذلك أمام الغرباء، فلا تجد في مئات الأحاديث القلبية التي نطق بها كلمة واحدة ملائمة لأمه، وهو قد وصفها في شيبته بالمتعلمة التي لم تعن بتربيته قط، وهو قد تكلم عنها بمرارة، فقال: «لم يكن لديها غير القليل من ذلك الشعور الذي يدعوه أهل برلين برقة الشمائل ... فكان يلوح لي - في الغالب - أنها كانت شديدة فاترة نحوي.»
ولذلك الحقد الذي يرجع إلى أيام طفولته سببان، وهما: أن أمه كانت تستقبل أضيافا في الشتاء، فكان أبوه يضحي بسريره نظرا إلى ضيق وسائله، فلم يسطع الصبي أن يعفو لأمه ذلك، وأن الصبي كان قد تكلم بزهو عن صورة جد لأبيه ذات يوم، فأخفت أمه، التي هي من الطبقة الوسطى، تلك الصورة كسرا لعجبه الأريستوقراطي، فيا لهول تلك الأوقات للولد! ويا لخطر نتائجها!
والخيلاء أبرز ما يبدو في أقدم ذكرياته؛ ومن ذلك أن هرب ذات مرة حينما أساء أخوه الأكبر معاملته، وهو لم يمسك إلا تائها تحت الزيزفون. وفي مرة أخرى كان في البيت زائرون فاختار مكانا له في زاوية فسمع غير واحد منهم يقول مع تردد: «قد يكون هذا ابنا للمنزل أو ابنة له.»
فيقول بسمارك: «قد أجبتهم عن ذلك قائلا - بلا حياء: أيها السيد إن هذا ابن. فدهشوا لذلك.»
ولم تكن تربيته في المدرسة أحسن من ذلك؛ فقد قضى ما بين السنة الثامنة والسنة الثالثة عشرة من عمره تلميذا داخليا في معهد بلامان ببرلين؛ فما انفك مع العمر يبدي ضغنه على تلك السنوات. ومن قوله:
صرت غريبا في بيت والدي منذ نعومة أظفاري، فلم أجدني فيه بالحقيقة، وقامت تربيتي منذ البداءة على المبدأ القائل باتباع كل شيء لكمال الذهن وبتوقف كل شيء على تحصيل المعارف الوضعية بسرعة.
وهو - إذ عد أمه آمرة ناهية في البيت - كان يراها مسئولة عن كل ما كابده من الشدائد في ذلك المعهد الداخلي، وهو لم يفتأ يتوجع من ذلك الخبز اليابس الذي كان يطعمه هنالك، ومن تلك التربية الإسبارطية التي كانت تفرض عليه هنالك، ومن تلك الثياب الخفيفة التي كان يحمل على لبسها في الشتاء «خلافا للطبيعة» هنالك، وهو لم يزل يذكر في الثمانين من عمره «أنه كان ينبه بوخز السيف».
وما كان يلوح من القومية الألمانية، وما كان يصدر عن أتباع ياهن
1
نامعلوم صفحہ