وأما قوله سبحانه :?يجعل صدره ضيقا حرجا? فإن الجعل من الله في كتابه على وجهين ومعنيين فجعل معناه الخلق ، وذلك مثل قوله :?ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين? ومثل قوله:?قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ماتشكرون? فهذا الجعل معناه معنى الخلق وجعل آخر معناه : الحكم من الله لامعنى الخلق منه ، وذلك فمثل قوله :?أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء مايحكمون? ومثل قوله:?أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون? فإنه قال سبحانه : أفنحكم لهؤلاء كما تحكمون أنتم فساء ماتحكمون فهؤلاء الذين أراد أن يحكم عليهم بالضلال لفسقهم وكفرهم وظلمهم تركهم وخذلهم فضاقت صدورهم بخذلان الله إياهم فحكم عليهم يضيق الصدور وحرجها ومخالفتها صدور من شرح صدره للإسلام ممن قبل أمره وطاعته ، فهذا الجعل من الله جعل حكم لاجعل خلق وفطرة ، وكذلك يقول الناس : قد جعلت فلانا وكيلي وجعلته وصيي والله خلقه وهذا حكم له بالوصية والوكالة ، وهذا والحمد لله واضح.
ومثل هذا الجعل قول الله سبحانه :?وكذلك جعلنا لكل نبيء عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك مافعلوه فذرهم ومايفترون? وهذه الآية مما دخل على المجبرة المشبهة فيها لقلة علمهم ، وتأويل هذا الجعل الحكم من الله أيضا ، وذلك أنه سبحانه لما حكم على أنبيائه بأن يعادوا من عصاه ويبرأوا منهم ففعلوا ذلك فعادوا العصاةلله في الآباء والأبناء والأقربين فلما عادوهم عاداهم أيضا العصاة ، وكان هؤلاء أعداء لهؤلاء ،وهؤلاء اعداء لهؤلاء فحكم الله عليهم بذلك فقال جل ذكره :?شياطين الإنس والجن? أعداء لكل الأنبياء حين حكم على الأنبياء عليهم السلام لهم إيجاب عداوتهم للأنبياء وهذا بين والحمد لله.
صفحہ 59