المجتمع الذي ينتظم عربا خالصي النسب، قد جعلهم دستور الحكم طبقة فوق الناس، وموالي ليس لهم في العرب نسب، ولكن لهم على كل عربي حق الولاء، ولهم في نفوسهم ذكريات عميقة لماض بعيد، وهجناء يمتون إلى العرب بنسب، وإلى عدو العرب بنسب، فلهم أسرة هنا وأسرة هنالك، والحرب لم تزل ناشبة بين الأسرتين ... وفي كل طبقة من هذه الطبقات الثلاث، التي ينتظمها المجتمع رجال ونساء ... رجال من طبقات ثلاث، ونساء من طبقات ثلاث كذلك، وللمجتمع الذي يعيشون فيه دستور، وللعواطف الإنسانية دستور آخر فوق دساتير الناس ...
بهذه العواطف المتناقضة تفاعلت حوادث هذه القصة، ورجلها الأول هو مسلمة بن عبد الملك، أبوه الخليفة عبد الملك بن مروان، ولدته له سبية من سبايا الروم، فلما كبر حمل راية العرب في وجه الروم، وتحت رايته هذه رجال من الطبقات الثلاث، ووراء كل رجل منهم امرأة؛ زوجة أو أم، من إحدى طبقات ثلاث كذلك، وفي قلب كل أم أو زوجة منهن ذكريات قديمة، وعواطف جديدة، وآمال مرتقبة ...
ذلك هو الجو الإنساني لهذه القصة، ولست أريد أن أصفه أكثر مما وصفت؛ لتبقى للقصة قوة التشويق، أما جوها التاريخي فيصف خطا العرب في زحفهم إلى القسطنطينية - عاصمة الروم - في القرن الأول، وهم قد بلغوا في زحفهم ذاك مبلغا، كان خليقا بأن ينتهي بنصر عظيم، ولكنهم تراجعوا والثمرة دانية، فلماذا؟ ... ولكني لا أريد كذلك أن أجيب الآن؛ لتبقى للقصة كذلك قوة التشويق ...
أما بعد، فإن في هذه القصة صورة من كفاح العرب في تاريخ مضى؛ لتبليغ رسالة، وتحقيق سيادة، وإنهم ليكافحون اليوم كفاحا من نوع آخر؛ لتبليغ رسالة، وتحقيق سيادة، ورد عدوان، فما أحراهم في مرحلة كفاحهم الحاضر أن يتدبروا بعض ما مضى من فصول ذلك التاريخ ...
بنت قسطنطين
قصة تاريخية
معركة ... بدأت منذ ألف وثلاثمائة سنة، وما تزال حتى اليوم ناشبة ...
الذرات التي نفضتها رمال الجزيرة العربية على أرض البشر منذ ارتجت بتلك الزلزلة العظمى، لم يزل فيها من قوة الاشتعال بروق وصواعق ...
لهداية البشرية الضالة، زحفت هذه الجحافل من المشرق - منذ التاريخ البعيد - ولم تزل حتى اليوم تناضل ...
الحرب سجال ... ولكن العاقبة لنا!
نامعلوم صفحہ