التمهيد
بنت قسطنطين
1 - حديث القاص1
2 - عهد ونذر
3 - ابنة البطريق
4 - ويك مسلمة
5 - أمهات الملوك!
6 - ولي العهد
7 - راهب البلقاء
8 - بارقة أمل
نامعلوم صفحہ
9 - نداء الدم
10 - قبر على الطريق
11 - لبيك أبا أيوب!
12 - وفاء بذمة ...
13 - نفير الحرب
14 - على شاطئ البرزخ
15 - تميمة رومية!
16 - عرش يهتز ...
17 - دسيسة العرق ...
18 - على حافة الموت
نامعلوم صفحہ
19 - وفاء النذر
خاتمة
التمهيد
بنت قسطنطين
1 - حديث القاص1
2 - عهد ونذر
3 - ابنة البطريق
4 - ويك مسلمة
5 - أمهات الملوك!
6 - ولي العهد
نامعلوم صفحہ
7 - راهب البلقاء
8 - بارقة أمل
9 - نداء الدم
10 - قبر على الطريق
11 - لبيك أبا أيوب!
12 - وفاء بذمة ...
13 - نفير الحرب
14 - على شاطئ البرزخ
15 - تميمة رومية!
16 - عرش يهتز ...
نامعلوم صفحہ
17 - دسيسة العرق ...
18 - على حافة الموت
19 - وفاء النذر
خاتمة
بنت قسطنطين
بنت قسطنطين
تأليف
محمد سعيد العريان
التمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
نامعلوم صفحہ
وقعت حوادث هذه القصة خلال النصف الثاني من القرن الأول بعد الهجرة، والحكم يومئذ لبني أمية، ودمشق عاصمة الدولة العربية العظمى، وجيوش الفتح توغل في الشرق والغرب والشمال والجنوب، والرقعة العربية تنبسط كل يوم أميالا وفراسخ، والإمبراطوريات العريقة تتهاوى إمبراطورية بعد إمبراطورية، والأباطرة المتألهون يخرون للأذقان سجدا؛ إذ لا يستطيعون عن أنفسهم، ولا عمن حولهم دفاعا ولا مقاومة ...
وكانت الخطة العربية يومئذ أن يصير هذا البحر المتوسط بيننا وبين أوروبا - وكان اسمه يومذاك بحر الروم - أن يصير بحر العرب، ليس على شواطئه الفوقانية ولا التحتانية إلا بلاد عربية يرتفع فيها الأذان وتقام الصلوات.
وكان الجيش الزاحف في شمال إفريقية قد فتح مصر، وبرقة وما يليهما من بلاد المغرب حتى بلغ شاطيء المحيط الأطلسي - وهو يومئذ آخر الدنيا من جهة الغرب - فأخذ يتطلع إلى الشمال يريد أن يثب إلى أوروبا من نحو المضيق - مضيق جبل طارق - لينساب من شبه جزيرة أيبريا إلى أرض إفرنسة ورومية.
وكانت جيوش عربية أخرى في المشرق قد طهرت ثغور الشام من بقايا الروم، وأبطلت مقاومتهم، ثم مضت زاحفة، فاخترقت شبه جزيرة الأناضول، وعسكرت تحت أسوار بيزنطة - القسطنطينية - عاصمة الدولة الرومانية الشرقية، تريد أن تثب إليها فتملكها، في الوقت الذي تثب فيه جيوش المغرب إلى شبه جزيرة أيبريا، ثم يمضي الجيشان مشرقين ومغربين، حتى يلتقيا في الأرض الكبيرة، أرض رومية، عاصمة الدولة الرومانية الغربية، وبذلك تخلص أوروبا للعرب، ويصير بحر الروم بحيرة عربية، فليس ثمة إسبانيا، ولا إفرنسة، ولا الإمبراطورية الرومانية ...
وكانت الخطة ماضية إلى غايتها بلا ريث، فما تزال الأنباء تتوالى على عاصمة العرب، كل مشرق صبح ومغرب شمس، بما أفاء الله عليهم من الفتح والنصر في كل جبهة من جبهات القتال، فملك العرب شبه جزيرة الأندلس، وأزالوا عنها ملك إسبانيا والبرتغال، ووثبوا إلى فرنسا، فاحتلوا من جنوبها بلادا على الشاطيء، وجهروا فيها بالأذان وأقاموا الصلوات ...
وأحرزت جيوش المشرق على الروم نصرا بعد نصر، فاخترقت شبه جزيرة الأناضول، ونفدت منها إلى البحر الأسود، فعسكرت على شواطئه، وصارت القسطنطينية على مرمى السهم ...
وجاءت الأنباء من تركستان والعجم، ومن الهند والصين، ومن بلاد الحبش والزنج، بما فتح الله على العرب من تلك الأصقاع البعيدة الشاسعة المترامية الأطراف.
كل ذلك ولم يمض على العرب منذ هاجروا بدينهم إلى الله، غير بضع عشرات من السنين لا تبلغ تمام القرن.
وكان لهذه الفتوح آثارها في المجتمع العربي بدمشق وغير دمشق من العواصم العربية، فتفتحت عيون العرب على ألوان من الترف وفنون من الحضارة لم يكن لهم بها عهد ...
وكان من آثارها أن كثر الأسارى والسبايا في أيدي المقاتلين العرب، فانتقلوا بهم إلى الحواضر العربية، فمنهم من والى العرب وآمن بدينهم، واندمج في المجتمع العربي، وعاش بين العرب مولى من مواليهم ينتسب إليهم ولا يحسب منهم، ومنهم من انتقل من أيدي المقاتلين إلى سوق الرقيق، يشتريه من يشتري للعمل والمهنة، أو للتكثر بالأتباع ...
نامعلوم صفحہ
وكان من أولئك الأسارى بعض أبناء السادة والقادة والأمراء في بلادهم، وكان لهم ثقافة ومهارات وفنون، فبرزوا في المجتمع العربي بفنونهم ومهاراتهم وثقافتهم، وذاع لهم جاه وصيت، واكتسبوا مالا وحظوة، ولكنهم لم يبلغوا في المجتمع العربي لعهد الدولة الأموية منزلة العربي الأصيل؛ إذ كانت تلك الدولة تؤمن بالعرق والنسب.
وكان بين السبايا من بنات الأمم المغلوبة ذوات ثقافة وفنون ومهارات كذلك، أو ذوات ملاحة ودلال وفتنة ، أو ذوات حسب ونسب ومجد؛ فأغرى كل أولئك - أو بعضه - رجالا من العرب باتخاذ زوجات منهن أو وصائف وحظايا ...
وكثرت الزوجات والحظايا من بنات الفرس والروم والترك والإسبان والصقالبة، وغيرهم في بيوت أمراء العرب، وفي بيوت السوقة كذلك، وولدن لهم بنين وبنات من ذوي النجابة والفطنة والعزم، أو من ذوات الحسن المطعم، وكان أولادهن هؤلاء من قومهم في منزلة وسطى بين منزلة العرب الخلص ومنزلة الموالي؛ إذ كانوا هجناء قد اختلط في أعراقهم دم عربي بدم غير عربي. •••
كذلك كان المجتمع العربي في السنين التي وقعت فيها حوادث هذه القصة، وتلك كانت سماته وملامحه العامة ...
وتبدأ القصة في مسجد «الرقة» - وهي بلد من بلاد الجزيرة على شاطيء الفرات - حيث جلس قاص من قصاص الدولة إلى سارية من سواري المسجد، يتحدث إلى أهل حلقته حديثا يشوقهم به إلى الجهاد، ويرغبهم فيه، ويحبب إليهم أن ينتظموا في صفوف الجيوش الغازية في الشرق أو في الغرب ...
وكان لمثل هذا القاص في عهد الدولة الأموية شأن وأثر، فهي قد ابتدعت هذه الوظيفة، واختارت لها طائفة من العارفين بالسير وأخبار المغازي والفتوح، تأجرهم على ما يقصون من قصص في مساجد الأمصار، بقدر ما يتركون من أثر في سامعيهم؛ ليسارعوا إلى التطوع في الجيوش الغازية، أو يكونوا حزبا للخليفة، فكان أولئك القصاص يقومون في وقتهم ذاك بمثل مهمة صحف الدعاية، ومكاتب الاستعلامات في هذه الأيام ...
ولعل الدولة الأموية بابتداعها لهذه الوظيفة، كانت أسبق الدول إلى الأخذ بهذا المذهب، الذي يهدف إلى توثيق صلة الحكومة بالجماهير، وكسب تأييدهم فيما تحاول من تدبير سياسي في الداخل أو في الخارج، وهو مذهب له اليوم في السياسات العامة شأن كبير، ولعلها - إلى ذلك - كانت أول دولة عرفت أثر القصص في النفوذ إلى نفوس الجماهير، فاستخدمت هؤلاء القصاص؛ لتنفذ بهم إليها، إذ كانت تشعر أنها بإزاء منافسة قوية على العرش، يحمل رايتها بنو هاشم، من آل أبي طالب وآل العباس، الأحباء إلى قلوب الجماهير لقرابتهم القريبة من النبي ...
على أن أحاديث هؤلاء القصاص في حلقاتهم تلك لم تكن قصصا بالمعنى الفني، الذي نفهمه في هذه الأيام من كلمة «قصص»، وإنما هي أخبار وروايات تتداعى لمناسباتها، وتتساوق لإحداث الانفعال والتحميس والسمو بالروح المعنوية للشعب، ولكنها برغم ذلك نوع من القصص على غير قاعدة من قواعد ذلك الفن ... •••
وتمضي القصة من حيث بدأت في حلقة ذلك القاص بمسجد الرقة، حتى تنتهي إلى غاية من غايات كل قصة، تتفاعل فيها نفوس البشر بالعواطف المتناقضة التي تنشئها في نفوس أبطالها ظروف المجتمع الذي يعيشون فيه ...
وقد عرفنا في بعض ما مضى من هذا التمهيد بعض ملامح هذا المجتمع، الذي وقعت فيه حوادث هذه القصة ...
نامعلوم صفحہ
المجتمع الذي ينتظم عربا خالصي النسب، قد جعلهم دستور الحكم طبقة فوق الناس، وموالي ليس لهم في العرب نسب، ولكن لهم على كل عربي حق الولاء، ولهم في نفوسهم ذكريات عميقة لماض بعيد، وهجناء يمتون إلى العرب بنسب، وإلى عدو العرب بنسب، فلهم أسرة هنا وأسرة هنالك، والحرب لم تزل ناشبة بين الأسرتين ... وفي كل طبقة من هذه الطبقات الثلاث، التي ينتظمها المجتمع رجال ونساء ... رجال من طبقات ثلاث، ونساء من طبقات ثلاث كذلك، وللمجتمع الذي يعيشون فيه دستور، وللعواطف الإنسانية دستور آخر فوق دساتير الناس ...
بهذه العواطف المتناقضة تفاعلت حوادث هذه القصة، ورجلها الأول هو مسلمة بن عبد الملك، أبوه الخليفة عبد الملك بن مروان، ولدته له سبية من سبايا الروم، فلما كبر حمل راية العرب في وجه الروم، وتحت رايته هذه رجال من الطبقات الثلاث، ووراء كل رجل منهم امرأة؛ زوجة أو أم، من إحدى طبقات ثلاث كذلك، وفي قلب كل أم أو زوجة منهن ذكريات قديمة، وعواطف جديدة، وآمال مرتقبة ...
ذلك هو الجو الإنساني لهذه القصة، ولست أريد أن أصفه أكثر مما وصفت؛ لتبقى للقصة قوة التشويق، أما جوها التاريخي فيصف خطا العرب في زحفهم إلى القسطنطينية - عاصمة الروم - في القرن الأول، وهم قد بلغوا في زحفهم ذاك مبلغا، كان خليقا بأن ينتهي بنصر عظيم، ولكنهم تراجعوا والثمرة دانية، فلماذا؟ ... ولكني لا أريد كذلك أن أجيب الآن؛ لتبقى للقصة كذلك قوة التشويق ...
أما بعد، فإن في هذه القصة صورة من كفاح العرب في تاريخ مضى؛ لتبليغ رسالة، وتحقيق سيادة، وإنهم ليكافحون اليوم كفاحا من نوع آخر؛ لتبليغ رسالة، وتحقيق سيادة، ورد عدوان، فما أحراهم في مرحلة كفاحهم الحاضر أن يتدبروا بعض ما مضى من فصول ذلك التاريخ ...
بنت قسطنطين
قصة تاريخية
معركة ... بدأت منذ ألف وثلاثمائة سنة، وما تزال حتى اليوم ناشبة ...
الذرات التي نفضتها رمال الجزيرة العربية على أرض البشر منذ ارتجت بتلك الزلزلة العظمى، لم يزل فيها من قوة الاشتعال بروق وصواعق ...
لهداية البشرية الضالة، زحفت هذه الجحافل من المشرق - منذ التاريخ البعيد - ولم تزل حتى اليوم تناضل ...
الحرب سجال ... ولكن العاقبة لنا!
نامعلوم صفحہ
الفصل الأول
حديث القاص1
فرغ الناس في مسجد الرقة
2
من صلاة العشاء الآخرة، فتنفلوا
3
ما طاب لهم التنفل، ثم دلفوا
4
إلى حيث كان أبو داود الحمصي مستندا إلى سارية من سواري المسجد، يقص القصص، ويرغب في الجهاد، ويروي من أنباء المغازي والفتوح ما يحمس الجبان، ويشد العزم، ويستلب ألباب الشيوخ وقلوب الشباب ...
وكان أبو داود هذا قاصا واسع الرواية، عذب الحديث، لطيف الإشارة، قد تتبع أنباء المغازي والفتوح منذ أول عهد العرب بالفتح، فأتقنها حفظا ورواية، وتمثيلا بالقول والإشارة ونبر الصوت، حتى ليحسب كل من سمعه يقص أنه شهد بعينيه، وشارك بسيفه في كل معركة من معارك الفتح، فلم يتخلف عن واحدة!
نامعلوم صفحہ
وكان رجلا في الأربعين، لم يطعن في السن، ولم تثقل كاهله السنون، قصيرا بطينا معتجر العمامة، قد أرسل لحية تضرب أطرافها على بطنه، فما يراه أحد في منظره ذاك، ويستمع إلى حديثه مسندا إلى الرواة من أبطال الفتح، إلا ظنه شيخا عميق الجذر، بعيد المولد والدار، إلا تكن له صحبة أو هجرة، فإنه لا بد قد عاصر وغزا واستظل في معارك الفتح بلواء الفوج الأول!
وكان عظيم القدر عند أمراء بني أمية في الشام، فهو جليسهم وجارهم ما أقام بدمشق، فإذا بدت له الرحلة إلى أي بلد من بلاد الإسلام، لم تزل صلاتهم وعطاياهم ترد عليه حيث كان، على أن أمير المؤمنين عبد الملك
5
كان أكثرهم عطفا عليه وصلات إليه، وكان يقول له: لسنا نحاول اصطناعك بهذا يا أبا داود، بل أنت اصطنعتنا بخالص ولائك وكريم بلائك؛ لنصرة بني مروان ... •••
وتكاملت الحلقة، وأخذ أبو داود يتنقل بالناس في قصصه من فن إلى فن، ومن واد إلى واد، فهو حينا في البر، وحينا في البحر، وطورا على ظهر البادية، وتارة في ظل حصن من حصون الروم، في المغرب أو في المشرق، وآونة في سهول الجزيرة، وفيافي العراق يصف كيد الخوارج
6
وتطاحن الفرق ... ثم قال:
7
ضل من فتنته دنياه عن دينه، وشغلته أولاه عن آخرته، وأزله الشيطان فأذله، وأطعمه السلطان فأضرعه! ...
8
نامعلوم صفحہ
ألا إن قوما في بعض الأمصار - غفر الله لهم - قد زين لهم الباطل، فشرعوا سيوفهم لحرب أمير المؤمنين، يأبون - بزعمهم - أن تكون هرقلية
9
يتوارثها خلف عن سلف، فهلا شرعوا سيوفهم هذه لحرب هرقل، ودك معاقل الكفر في بلاده، ونشر دين الله في الأرض ...
وصمت أبو داود برهة، ثم رفع عينيه يجول بهما فيمن حوله، وهو يخلل لحيته بأصابعه، ثم استأنف حديثه:
حدثنا نصر بن عوانة - وكان في جيش عقبة بن نافع
10
بالمغرب - قال: لقد رأيت عقبة، وقد بلغ بجيشه شاطيء الأقيانوس الأخضر،
11
فيدفع حصانه إلى البحر، ويقول بحماسة: اللهم رب محمد، لولا أني لا أعلم وراء هذا البحر يابسة، لاقتحمت هذا الهول المائج؛ لأنشر اسمك المجيد في أقصى حدود الدنيا!
رحم الله عقبة، وأين مثل عقبة؟! فإن قسطنطين بن هرقل ما يزال وراء هذه الحدود المتاخمة، يتهدد أصحابنا بالغارة بعد الغارة برا وبحرا، فهلا خرجنا إليه؛ لننشر اسم الله المجيد في أقصى بلاد الروم! ضل من جعل إلهه هواه! ألا إنه لولا ابن هرقل على هذه التخوم لما صارت - بزعمهم - هرقلية.
نامعلوم صفحہ
وتلبث القاص برهة أخرى، ثم استأنف:
لقد كان معاوية،
12
وكان ابنه يزيد،
13
وكان مروان،
14
ثم كان أمير المؤمنين عبد الملك ... كأنما لم تمض تلك السنون، وكأني أرى الساعة، وأسمع تكبير جند الشام يقودهم يزيد بن أمير المؤمنين،
15
وفيهم ابن عباس،
نامعلوم صفحہ
16
وابن عمر،
17
وابن الزبير،
18
وأبو أيوب الأنصاري
19
جار رسول الله، ومضيفه في دار هجرته، قد ركبوا في عشرات الآلاف من الجند، تقلهم سبعمائة وألف سفينة، قد صنعها معاوية بعينيه من أرز هذه الغابات الكثيفة في جبال لبنان،
20
ثم أرسلها في البحر لحرب الروم، تغزو بلادهم، وتدك حصونهم، وتملك جزائرهم في البحر، وتأخذ عليهم طريقهم في البر، وتطوق مدينتهم هذه التي بناها قسطنطين الأول،
نامعلوم صفحہ
21
واتخذها قاعدة لملكه، فما يزالون على حصارها سنين ذات عدد، لا يصدر منها ولا يرد إليها، حتى يبلغ الجهد بقسطنطين وأهل ملته ما يبلغ، فيعطي الجزية صاغرا ... ويعود المسلمون ظافرين، لم يتخلف من رؤسائهم غير أبي أيوب، قد دفن عند سور القسطنطينية كما وعده رسول الله!
22
رد الله غربتك يا أبا أيوب! مضيف رسول الله أول هجرته إلى المدينة، قد ثوى
23
تحت أسوار القسطنطينية ضيفا على أهل الكفر!
يا أبناء المهاجرين من ضيوف أبي أيوب، يا أبناء الأنصار من صحابته، إن أبا أيوب لم يزل كريما كعهدكم به، فهاجروا إليه يضيفكم في داره الجديدة، كما ضيف نبيكم محمدا منذ سنين سلفت.
24
هتف عتبة بن عبيد الله، وقد مس حديث الشيخ شغاف قلبه: لبيك أبا أيوب.
فضج المجلس وراءه بالتلبية ... •••
نامعلوم صفحہ
ذلك شأن القاص أبي داود، وذلك شأن الناس معه؛ ما يزال يتنقل بين الأمصار، يدعو إلى الجماعة،
25
أو يدعو إلى جهاد أهل الشرك، فيستجيب له من يستجيب، ويلبي من يلبي.
ولكن الفتنة التي نشبت بين أهل القرآن منذ سنين لم تطفأ بعد؛ فما يزال في كل بلد داع يدعو لنفسه، ويؤازره من المسلمين طائفة، فأمير المؤمنين في الحجاز وما والاها عبد الله بن الزبير، وأمير المؤمنين في الشام عبد الملك بن مروان، وما يزال في الجزيرة والكوفة، وما وراءها من أرض المشرق داع أو دعاة، يهتفون باسم أمير من بني علي بن أبي طالب،
26
وفي دمشق نفسها لم يزل واحد أو أكثر من السفيانية
27
أو غيرهم من فروع بني أمية، ينفس
28
على بني مروان أن تكون الخلافة فيهم ... وعبد الملك يحاول أن يوطيء لنفسه بين هذه الزعازع،
نامعلوم صفحہ
29
فما ينفك متنقلا على رأس جيشه من مصر إلى مصر،
30
مكافحا صابرا قد استحل سفك الدم في سبيل توطيد العرش، وتوطئة الأكناف لبني مروان، وكان قبل أن يليها شيخا من أهل الرأي
31
لا يكاد يفارق مسجد رسول الله في المدينة، أو يدع المصحف!
وحلت سنة 70 من الهجرة، وما تزال الفتنة ناشبة، وكان الروم قد انحسروا عن أرض المشرق، فليس لهم في الشام باع ولا ذراع، ولكنهم منذ جلوا عن أرض المشرق، لم تزل أنفسهم تنازعهم إلى استرداد ما فقدوا من تلك الأرض الواسعة الخصبة، فكأنما انتهزوا هذه الفتنة الناشبة، فسيروا جيوشهم إلى أنطاكية
32
فحاصروها، ثم وضعوا أقدامهم وأوغلوا في البلاد.
الفصل الثاني
نامعلوم صفحہ
عهد ونذر
كان النعمان بن عبيد الله يدندن بيتا من الشعر:
أروح إلى القصاص كل عشية
أرجي ثواب الله في عدد الخطا
حين ابتدره أخوه عتبة: قد مس والله حديث أبي داود القاص شغاف نفسي، وما أرى هذه الفتنة الناشبة في الأمصار إلا كيدا من الشيطان؛ لتفريق الجماعة، وصدع الجبهة، والتمكين للمشركين كي ينالوا منا منالهم، وإن هؤلاء الخوارج ليزعمون أنهم يدعون إلى الله، ويغفلون عما وراء ذلك العصيان من تفريق الكلمة ووهن المسلمين، ولو أن هذه الجموع المسلمة التي تساق كل يوم إلى المذابح بالأيدي المسلمة، قد سيقت صوائف وشواتي
1
إلى بلاد الروم، لرجوت أن تكون القسطنطينية بأيدينا، وينزل المسلمون ضيوفا على أبي أيوب ...
2
ثم استطرد قائلا في عزم: وإني قد رأيت يا نعمان رأيا أرجو أن تمضي فيه معي ...
قال النعمان مستدركا: دع عنك ما رأيت يا أخي، وأعد علي ما قلت: أزعمت - ويحك - أن ابن مروان أحق بها من عترة محمد،
نامعلوم صفحہ
3
ومن ابن ذات النطاقين؟
4
لقد مات أبوك إذن على ضلال يا عتبة،
5
فقد علمت ما أبلى أبوك يوم الجمل،
6
وفي حرب صفين،
7
ومعركة الطف ،
نامعلوم صفحہ
8
فلم يقعد عن الحرب حتى استشهد مع المختار ابن أبي عبيد طلبا لثأر الحسين،
9
أفهذا تعني حين تذكر صدع الجبهة ووهن المسلمين؟...
صمت عتبة برهة مفكرا، ثم رفع رأسه يقول: ما هذا عنيت يا أخي، ولقد اجتهد أبي ما اجتهد لصلاح هذه الأمة، حتى ذهب إلى ربه راضيا مرضيا، وإني لأرجو أن يقبل الله شهادته،
10
ولكن نفسي لا تطيب بأن أحارب إخواني في الدين، وأدع هؤلاء الروم حتى يطئوا من بلادنا كل موطئ، ويسترقوا
11
الحرائر والولدان من نسائنا وبنينا، فسأطلب منذ الغد إلى مسلمة بن عبد الملك
12
نامعلوم صفحہ
أن يغزيني في صائفته، لعلي أن أدرك نصرا أو أجاور أبا أيوب. •••
ولكن مسلمة بن عبد الملك لم يخرج في هذا الموسم لحرب الروم صائفا ولا شاتيا، فقد كان عبد الملك من أصالة الرأي وحسن التدبير، بحيث رأى مصانعة
13
جوستنيان الثاني قيصر الروم خيرا له في هذه الفترة التي تعصف فيها العواصف بالدولة الإسلامية، فصالحه على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار؛ ليفرغ لتدمير قوة ابن الزبير، ويحطم الخوارج، ويرد كيد ابن عمه عمرو بن سعيد ...
14
وهدأت أمواج البحر، وسكن غبار البادية،
15
ولكن عتبة بن عبيد الله لم يعد إلى داره بالرقة منذ كان ذلك الحديث بينه وبين أخيه النعمان، ولم يقف له أحد على خبر.
وطال الانتظار بأهله حتى آب كل غائب، ولكنه لم يؤب، وهدأت الفتن في الدولة الإسلامية أو كادت، وانقضى أمر ابن الزبير، واغتيل عمرو بن سعيد منافس عبد الملك على عرش بني مروان، واستتب لهم الملك، وعادت الصوائف والشواتي تغدو وتروح في البر والبحر، تغزو بلاد الروم فتصيب منها ما تصيب ثم تئوب، ولم يؤب عتبة بن عبيد الله!
وقال جيرانه وأهله: يرحمه الله، لقد آثر جوار أبي أيوب المضياف، فمات غازيا في بلاد الروم.
نامعلوم صفحہ