فتورد وجهها، وقطبت تداري لمعة السرور الذي يبعثها الثناء، وقالت: ألم أنهك عن هذا؟! لا تفتأ تتمادى فيما يضايقني!
وأصغى إليها وعلى شفتيه ابتسامة حائرة، وعيناه تلتهمان جسمها البض بارتياح؛ فستان مؤدب محتشم، ولكنه على تحفظه يكشف عن الساعدين، وأسفل الساقين، والعنق الرقيق الشفاف، ويشي بقسمات الجسم اللدن المدملج. ثم علق بصره بالمشربية الدقيقة المكورة فوق الصدر، صورتها الخياطة حقا لثديين ناهدين يكادان لشدة نهوضهما يطيران، لولا ما يمسكهما من صدر أبيض صاف، تخيل أنه يدغدغهما بأنامله فانبعث في جسده قشعريرة الرغبة، وتخيل أنه يشد عليهما وأنهما يقاومان الشد بصلابتهما فازدرد ريقه في ظمأ. ولكنها لا تريد ولا تتسامح، وتصر على عنادها بغير هوادة، وكان يظنها تلين مع الزمن ولم يعد ثمة أمل وقال بحزن: بهية، إنك تتكلمين بقسوة شأن من لم يذق قلبه الحب.
ولاحت في عينيها نظرة اعتراض وقالت: إني أنكر الحب الذي تريد، وإنك تسيء فهمي عمدا. - ولكن الحب واحد لا يتجزأ.
فقالت بإصرار وحدة: كلا، كلا، لا أوافقك على هذا الرأي.
فتنهد في قهر وألقى بنظره إلى الأفق البعيد، كانت الشمس قد توارت مخلفة وراءها هالة حمراء مترامية، أقصاها حمرة دامية، تخف عند الوسط كأنها تقطر من ورد مصفى، ثم تشحب عند أطرافها الدانية حتى تبتلعها زرقة عميقة صافية، تنمنمها هنا وهناك سحائب رقاق كتنهدات وانية، وارتد بصره إلى وجهها وقال برجاء: إني أحبك، وإني خطيبك، وما أريد إلا أن يحظى حبنا بحقه من الحياة البريئة.
فتجلت في عينيها الحيرة، وبدت حينها وكأنها تتعذب، ثم قالت: لا أستطيع ولا أريد.
فابتسم ابتسامة لا معنى لها وقال: إنك تدفعيني إلى أحضان وحشة غريبة لا أطيقها. إني أتحرق إلى أن أطبع قبلة على شفتيك وأن أضمك إلى قلبي، هذا حقي وحق حبنا. - كلا، كلا إنك تخيفني. - ألا تحبينني؟ - لا تسأل عما تعلم. - إني أعجب! ألا تودين حقا أن تنطبع شفتاي على شفتيك؟
فنفخت في غيظ قائلة: يسرك بلا شك أن تغيظني! - وأن تستنيمي إلى دقات قلبي، وذراعاي تشدان على خاصرتك؟
فأعرضت عنه عابسة فقال في ضيق: إذا لم يكن هذا هو الحب فما هو؟
فغمغمت في توسل: كما كنا طوال العهد الماضي. - لقاء وحديث واحتراق؟! - لقاء وحديث فحسب. - تكذبين على نفسك. - سامحك الله. - أو تحبين بلا قلب! - سامحك الله.
نامعلوم صفحہ