بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
اصناف
15
ثم أمر الخليفة بكتابة منشور للبلاد كلها فيه فضيحة هؤلاء وتقرير مروقهم من الدين، ووجوب الاعتبار بهم وبمصيرهم، وقد روى الأنصاري هذا المنشور بعد أن تكلم عن حياة ابن رشد، وعن السعايات التي كانت ضده من أعدائه الذين كانوا لا يسأمون من الانتظار، ويترقبون أوقات الفرار، فقال:
16 «... فلما كان التلوم من المنصور بمدينة قرطبة، وامتد بها أمد الإقامة، وانبسط الناس لمجالس المذاكرة، تجددت للطالبين آمالهم وقوي تألبهم واسترسالهم؛ فأدلوا بتلك الألقيات، وأوضحوا ما ارتقبوا فيه من شنيع السوءات الماحية لأبي الوليد كثيرا من الحسنات، فقرئت بالمجلس، وتدوولت أغراضها ومعانيها وقواعدها ومبانيها، فخرجت بما دلت عليه أسوأ مخرج، وربما ذيلها مكر الطالبين.»
فلم يمكن عند اجتماع الملأ إلا المدافعة عن شريعة الإسلام، ثم آثر الخليفة فضيلة الإبقاء، وأغمد السيف التماس جميل الجزاء، وأمر طلبة مجلسه وفقهاء دولته بالحضور بجامع المسلمين، وتعريف الملأ بأنه مرق من الدين، وأنه استوجب لعنة الضالين، وأضيف إليه القاضي أبو عبد الله بن إبراهيم الأصولي في هذا الازدحام، ولف معه في حريق هذا الملام، لأشياء أيضا نقمت عليه في مجالس المذاكرة وفي أثناء كلامه مع توالي الأيام.
فأحضرا بالمجلس الجامع الأعظم بقرطبة، وتكلم القاضي أبو عبد الله بن مروان فأحسن، وذكر ما معناه أن الأشياء لا بد في كثير منها أن تكون لها جهة نافعة وجهة ضارة كالنار وغيرها، فمتى غلب النافع على الضار عمل بحسبه، ومتى كان الأمر بالضد فبالضد.
فابتدر الكلام الخطيب أبو علي بن حجاج، وعرف الناس بما أمر به من أنهم مرقوا من الدين وخالفوا عقائد الموحدين، فنالهم ما شاء الله من الجفاء، وتفرقوا على حكم من يعلم السر وأخفى.
ثم أمر أبو الوليد بسكنى «أليسانه»، لقول من قال: إنه ينسب في بني إسرائيل وإنه لا يعرف له نسبة في قبائل الأندلس. وعلى ما جرى عليهم من الخطب، فما للملوك أن يأخذوا إلا بما ظهر، فإليهما تنتهي البراعة في جميع المعارف، وكثير من انتفع بتدريسهم وتعليمهم، وليس في زمانهما من هو بكمالهما ولا من نسج على منوالهما، وتفرق تلاميذ أبي الوليد أيدي سبا، ويذكر أن من أسباب نكبته هذه اختصاصه بأبي يحيى أخي المنصور والي قرطبة.
وأخبر عنه أبو الحسن بن قطرال أنه قال: أعظم ما طرأ علي في النكبة أني دخلت أنا وولدي عبد الله مسجدا بقرطبة، وقد حانت صلاة العصر، فثار لنا بعض سفلة العامة فأخرجونا منه.
وكتب عن المنصور في هذه القضية كاتبه أبو عبد الله بن عياش كتابا إلى مراكش وغيرها يقول فيه فيما يخص حالهما (هذا هو المنشور): وقد كان في سالف الدهر قوم خاضوا في بحور الأوهام، وأقر لهم عوامهم بشغوف عليهم في الأفهام، حيث لا داعي يدعو إلى الحي القيوم ولا حاكم يفصل بين المشكوك فيه والمعلوم، فخلدوا في العالم صحفا ما لها من خلاق، مسودة المعاني والأوراق، بعدها عن الشريعة بعد المشرقين وتباينها تباين الثقلين، يوهمون أن العقل ميزانها والحق برهانها، وهم يتشعبون في القضية الواحدة فرقا، ويسيرون فيها شواكل وطرقا، ذلكم بأن الله خلقهم للنار وبعمل أهل النار يعملون، ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون.
ونشأ منهم في هذه السمحة البيضاء شياطين إنس
نامعلوم صفحہ