بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
اصناف
وقام تيودورس ببعض شئون الإصلاح في البلاد، وحدث أن مستر بل (أحد الاثنين) قتل برصاصة طائشة مجهولة المصدر، فحزن عليه تيودورس حزنا شديدا؛ لأنه كان يعول عليه، وكان يجد في عشرته السلوة التي يلقاها الملوك في الندامى.
فكان عهد تيودورس نذيرا بهلاك الصديقين؛ فإن بلودن الذي بقي بعد مصرع بل، وهو قنصل إنجلترا بمصوع، مرض وأراد السفر إلى وطنه للعلاج، فأبى عليه تيودورس مفارقته، فخطفه بعض خصومه، ودفع النجاشي ديته، ثم اشتدت عليه وطأة المرض، فتبع رفيقه السابق بل إلى الدار الآخرة، وبموتهما فقد النجاشي تيودورس (كاسا سابقا) خير أعوانه، فساءت علاقته بإنجلترا حتى نشبت الحرب بين إنجلترا والحبشة.
فطلب الإنجليز من حكومة مصر (عهد إسماعيل) أن يأذن لهم باجتياز بعض الأرض المصرية الواقعة على بحر القلزم، فلم يكتف إسماعيل بإجابتهم إلى ذلك، ولكنه لاستيائه من تيودورس وضع الأسطول المصري كله، الذي كان في البحر الأحمر، تحت تصرفهم، وكلف حاكم مصوع بمساعدة الإنجليز في كل ما يرغبون، وانتهت الحرب بين إنجلترا والحبشة بموت تيودورس، كما قدمنا، في سنة 1868، وصيرورة العرش الحبشي إلى يوحنا.
الرأس يوحنا وحروب مصر والحبشة
كان يوحنا في أول أمره راهبا صغيرا في دير، ولكنه ما لبث أن تركه وترأس عصابة من الأقوياء، وأخذ يقطع الطريق على السابلة، ثم اشتد ساعده، وزاد بطشه، وعلا نفوذه حتى تمكن من تبوء كرسي الحكم في مقاطعة البحري، والتغلب على الرأس باريو.
ولما جاء الإنجليز لمحاربة تيودورس ساعدهم يوحنا مساعدة فعالة؛ فكافأه لورد ناييبير أوف مجدالا
3
بعد قهر النجاشي وموته، بأن ترك له اثني عشر مدفعا، وألفي بندقية، وميرة كثيرة ليستعين بها على الحلول محل تيودورس، وبعد انسحاب الجيش الإنجليزي تخلف عنده بريطاني اسمه جون تشارلز كركهام، فعضد يوحنا في التغلب على بعض خصومه، فعلت عنده منزلته، وبما أن يوحنا لم يكن من آل بيت الملك، أبى كثيرون من رؤساء الأحباش الاعتراف به، وأخذوا يناوئونه العداء، وأهمهم رأس قبيلة القالا، فانشغل بقتالهم حينا من الدهر.
وكانت الدولة المصرية قد توغلت في فتوحها حتى بلغت خط الاستواء، فوقع في خلدها أن تجعل النيل كله مصريا، فسيرت حكومة مصر إلى جوف بلاد الحبشة رجلا سويسريا اسمه متزنجر لمعرفة أحوالها، واستمالة كبار رءوسها، فتوغل متزنجر في الحبشة، وغاب خبره حينا عن مصر، ثم عاد حاملا شيئا من منتجاتها، وزين لحاكم مصر إذ ذاك، وهو الخديو إسماعيل، التغلب عليها وامتلاكها، مغتنما فرصة الفتنة بين أمرائها، وأقسم له بأغلظ الأيمان أنه يملكها ويدوخها بنفر من العسكر المصري وشيء يسير من النفقة.
فأعجب الخديو برأيه، ومال إليه، فولاه الحكم على مصوع (مفتاح الحبشة)، فسار متزنجر إلى مقر وظيفته، واغتنم في سنة 1872 فرصة غياب يوحنا في محاربة القالا في الجنوب واستولى على سنهيت المذكورة آنفا، وهي عاصمة البوغوس، وتعرف باسم «كرن»، واستمال الرأس محمد الذي كان يكره يوحنا، واشترى منه مقاطعة قريبة من مصوع اسمها «آيلت».
نامعلوم صفحہ