بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
اصناف
ولما كان عبيد الله بن جحش قابلا للتغيير والتبديل في معتقده منذ تزعزع إيمانه، ومنذ اجتمع هو وقومه بنخلة ليحيوا عيد «العزى»، فقد دب هذا الضعف إلى دينه الجديد بعد هجرته، فسهل على دعاة المسيحية في الحبشة أن يجذبوه إليها، فانتحل النصرانية، وطلقت امرأته، وما زال على النصرانية إلى أن مات عليها.
1
أما أم حبيبة فبقيت على دينها، وهو الإسلام، حتى عادت من هجرتها مع من عاد من المسلمين، وصارت من أزواج النبي وأمهات المؤمنين. وكانت على عقل راجح، وخلق متين.
لما ظهر الإسلام بشيء من القوة بدأت قريش تناوئه، وتعاكس ذويه، وتنزل بهم ما تقدر عليه من صنوف الاضطهاد والتعذيب والبلاء؛ حتى بلغ التعذيب التقييد بالسلاسل والحبس والجلد، حتى القتل! فضج المسلمون واستغاثوا بالله ورسوله، فأشار النبي عليهم بالهجرة إلى بلاد الحبشة النصرانية؛ لأنها قريبة من وطنهم؛ ولأن بها ملكا - هو النجاشي - لا يظلم أحدا، وقيل إن النبي عليه الصلاة والسلام وصف أرض الحبشة بأنها أرض صدق ... وقد أشار النبي على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة والبقاء بها حتى يجعل الله لهم فرجا مما هم فيه؛ فأطاعوا أمر رسول الله وخرجوا من مكة فارين بدينهم إلى الله.
وكانت الفرقة الأولى من المهاجرين مؤلفة من أحد عشر رجلا وأربع نسوة تمكنوا من الفرار من مكة، فلما بلغوا بلاد الحبشة أكرم النجاشي وفادتهم، ثم عادوا إلى مكة ظنا منهم أن قريشا كفت أذاها عن المسلمين، فرأوا بأعينهم من الأذى أشد مما عانوا في بداية أمرهم، فعادوا بهجرتهم إلى الحبشة وقد بلغوا ثمانين رجلا غير النساء والأطفال، وما زالوا بها إلى أن هاجر النبي إلى المدينة.
وقد استمر الفريق الأول في الحبشة ثلاثة أشهر كان عمر بن الخطاب قد أسلم في أثنائها، فاشتد ساعد المسلمين في مكة، وظن المهاجرون أنهم لن يلقوا بها عنتا؛ فعادوا إلى وطنهم، ولكن آمالهم حبطت عندما رأوا من ظلم أهل مكة أكثر مما رأوا من قبل، فعادوا إلى الهجرة في عدد أوفر.
عاد المسلمون المهاجرون الأوائل من الحبشة بعد ثلاثة أشهر بعد أن أسلم عمر بن الخطاب، ونصر الإسلام بمثل الحمية التي كان يحاربه بها من قبل، حتى اضطرت قريش لمهادنة المسلمين، وعادوا حين شبت الثورة في بلاد الحبشة ثورة خافوا مغبتها.
والثابت في كتب التاريخ أن أهل قريش لم يطمئنوا إلى هجرة المسلمين إلى الحبشة، فبعثوا برسولين إلى النجاشي يحملان أنفس الهدايا وأغلاها ليقنعوه برد المسلمين المهاجرين إلى وطنهم، وقد علم أهل مكة أن النجاشي تفضل فبسط حمايته على المسلمين المهاجرين بعد أن سمع أقوالهم في وصف دينهم الجديد.
أما رسولا مكة إلى النجاشي فكانا عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة. وقد دل القرشيون بهذا الانتخاب على صدق فراستهم، وحسن اختيارهم، ولا سيما في اختيار عمرو؛ فقد سبقت له أسفار إلى الحبشة؛ لأنه كان في الجاهلية يتجر ببضائع اليمن والحبشة إلى الشام، وأهمها الأدم والعطر.
وقد عادت ممارسة التجارة على عمرو بأعظم الفوائد المادية والمعنوية، فاكتسب كثيرا من أسفاره المتصلة واختلاطه بأقوام على جانب عظيم من المدنية والارتقاء إذ ذاك؛ فتولدت فيه المواهب النادرة، ونمت وازدهرت، فتجلت مظاهرها في جميع أدواره وكل فعاله؛ مما كان له أعظم الأثر في مواقفه السياسية والحربية. وهذه الأسفار أكسبت عمرا شيئا من الدهاء غير قليل،
نامعلوم صفحہ