بين دین اور علم
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
اصناف
عاش في أوروبا في ذلك العهد رجل واحد هو «بطرس آبيان»
كان في مستطاعه أن يخدم قضية العلم، وأن يصد تيار الفكرات البعيدة عن حكم العقل، النازلة على حكم الهوى والتقيلد، والتي كان من شأنها أن ظلت متدافقة، أن تذهب بكثير من عظماء الرجال من ميدان التفكير العلمي الصرف، كما تكتسح كثيرين من أحضان النصرانية. كان «آبيان» رياضيا عظيما وفلكيا ثبتا في عصره. ولقد أهلت به مواهبه وكفاياته لأن يصبح معلما في الفلك للإمبراطور «شارل الخامس»
Charles V
وكان مؤلفه في الجغرافية سببا في أن يذيع صيته ويرتفع ذكره، كما كان مؤلفه في الفلك طريقا تنسم منه مراتب الشرف. أما ما أدخل على الرياضيات من الأساليب المستجدة، وما اخترع في خدمة علم الفلك من آلات، فقد نال به ثناء «كبلر» كما تبوأ به مكانة في تاريخ العلم لا يمحو ذكرها كر الدهر وتلاحق العصور. ولقد أتيحت له فرصة كان من الواجب أن ينتهزها لكي يؤدي بها للإنسانية خدمة لم يؤدها. فإنه لما ظهر كتاب «كوبرنيكوس» كان «آبيان» في أوج العظمة والقوة. وإن دفاعا يكتبه «آبيان» في هدوئه وصادق يقينه - حتى لو كان المقصود به معروفا يسدى أو ظلم يمنع - لمن المحقق أن يثمر وأن ينتج نتاجا، وكان من الواجب على تلميذه الصادق الود له شارل الخامس - وهو على عرش ألمانيا وإسبانيا معا - أن يصغي لقولة يقولها، وأن يصيخ لدفاع يتحرك به قلمه، غير أنه لسوء الحظ كان أستاذا في معهد خاضع لأقسى التقاليد الكنسية، ذلك المعهد هو جامعة «إنجولستاد»
Engolstadt
وكان من أول وجباته أن يلقن مبادئ العلم «السلمي»، ويقصد بذلك عدم الخروج بالعلم عن نطاق ما ينص عليه الكتاب المقدس كما فسره أساتذة اللاهوت. فأضاع بذلك «آبيان» فرصة كان من الواجب ينتهزها ليدفع عن حقائق العلم ظلم الجهالة والعتو. ومضى هذا العلامة يلقن مبادئ علم الفلك على حسب نظرية «بطليموس» وحسب موحيات «الأسترولوغيا»، وظل إزاء نظرية «كوبرنيكوس» محايدا لا مؤيدا ولا منكرا، بل ظل صامتا. أما الأسباب التي أدت إلى صمته العميق وقبوعه في قاعة محاضراته ساكتا، فلن تنسى ولن يغفل عنها باحث في تاريخ العلم، طالما ادعت أية من الكنائس أن من حقها أن تتحكم في برامج التعليم في الجامعات.
وما من شك في أن الكثيرين من الجائز أن ينحوا على الكنيسة الرومانية باللوم من أجل هذا. ولكن الحق أن البروتستانت لم يكونوا بأقل تحمسا في العمل ضد مبادئ العلم الحديث مما كان أضدادهم. فكل فروع الكنيسة البروتستانية - لوثريون، وكلفينيون، وأنغليكانيون - قد تكاتفوا على مقاومة المذهب «الكوبرنيكي» وهم معتقدون أنه مناقض لنصوص الكتاب المقدس. وأخيرا انضم إليهم البيوريتانيون
سالكين مسلكهم متتبعين خطاهم. قال مارتن لوثر: «يصغي الناس إلى منجم مأفون يحاول أن يثبت أن الأرض تدور، وليس كذلك السماوات والأفلاك والشمس والقمر. ولا جرم أن كل من يريد أن يحوز شهرة اللباقة والنهى يحاول أن يبث مذهبا جديدا زاعما أنه أصح المذاهب وأصدق الحقائق، غير أن هذا الممسوس يريد اليوم أن يقلب قواعد علم الفلك رأسا على عقب في حين أن نصوص الكتاب المقدس تدل على أن «يوشع» قد أمر الشمس أن تقف، ولكنه لم يأمر الأرض.»
أما «ميلانكوتون»
Melanckoton
نامعلوم صفحہ