قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ١ فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السماوات والأرض، وهو الله وحده، وهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه؛ ليرحم عبده، فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه؛ فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له. والذي يشفع عنده إنما يشفع بإذنه وأمره، بعد شفاعته -سبحانه- إلى نفسه، وهي إرادته من نفسه أن يرحم عبده.
وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها هؤلاء المشركون وَمَن وافَقَهم، وهي التي أبطلها الله ﷾ بقوله: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ﴾ ٢، وقوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ﴾ ٣، وقال: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ﴾ ٤. وأخبر –سبحانه- أنه ليس للعباد شفيع من دونه؛ بل إذا أراد –سبحانه- رحمة لعبده أذن هو لمن يشفع فيه، كما قال تعالى: ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ ٥. وقال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ ٦. فالشفاعة بإذنه، ليست شفاعة من دونه، ولا الشافع شفيعٌ من دونه، بل يشفع بإذنه. والفرق بين الشَّفِيعَيْن كالفرق بين الشريك والعبد المأمور، فالشفاعة التي أبطلها شفاعة الشريك فإنه لا شريك له، والتي أثبتها شفاعة العبد المأمور الذي يشفع ولا يتقدم بين يدي مالكه حتى يأذن له، ويقول: أشفع في فلان.
ولهذا كان أسعد الناس بشفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد الذين جردوا التوحيد، وخَلَّصُوه من تعلقات الشرك وشوائبه، وهم الذين ارتضى الله -سبحانه-. قال تعالى: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى﴾ ٧، وقال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ ٨، فأخبر أنه لا تحصل يومئذ شفاعة تنفع إلا بعد رضى قول المشفوع له، وإذنه للشافع. فأما المشرك فإنه لا يرضاه، ولا
_________
١ سورة الزمر آية: ٤٣،٤٤.
٢ سورة البقرة آية: ١٢٣.
٣ سورة البقرة آية: ٢٥٤.
٤ سورة الأنعام آية: ٥١.
٥ سورة يونس آية: ٣.
٦ سورة البقرة آية: ٢٥٥.
٧ سورة الأنبياء آية: ٢٨.
٨ سورة طه آية: ١٠٩.
1 / 281