الإسلام -رحمه الله تعالى- من إنكاره ما في شعر الصرصري وغيره من هذه الأمور الشركية وبيان أسبابها.
الفتنة بقصائد المتأخرين في مدح النبي وغيره والاستغاثة بهم
وأما قول المعترض: وفيه توسل عظيم، إن لم يزد على قول صاحب البردة لم ينقص عنه.
(فالجواب): أن هذا من عدم بصيرته وكبير جهله، فإن مَن له أدنى معرفة وفهم يعلم أن بين قول صاحب البردة وقول الصرصري في أبياته تفاوتا بعيدا؛ فقد نبهنا على ما يقتضيه كلام صاحب البردة من قصر الإلهية والربوبية والملك وشمول العلم على عبد شَرَّفَه الله بعبوديته ورسالته، ودعوة الخلق إلى عبادته وحده، وجهاد الناس على ذلك، وبَلَّغَ الأمةَ ما أنزله الله –تعالى- عليه في الآيات المُحْكَمَات من تجريد التوحيد والنهي عن الشرك ووسائله، كما قدمنا الإشارة إليه.
وأما الصرصري ففي كلامه التوسل بالنبي ﷺ والاستغاثة به، لكن لا قصر ولا حصر للاستعانة والاستغاثة في جانب المخلوق، وقد أنكره شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وذكر أنه لا دليل من كتاب ولا سنة عليه، ولا قال به أحد من الصحابة والتابعين والأئمة، وقد بيَّن -رحمه الله تعالى- أن استغاثة الحي بالحي إنما هو بدعائه وشفاعته.
وأما الميت والغائب فلا يجوز أن يُسْتَغَاثُ به، وكذلك الحي فيما لا يقدر عليه إلا الله، وأن أهل الإشراك ليس معهم إلا الجهل والهوى، وعوائد نشؤوا عليها بلا برهان، وقد عرفتَ أن هذا المعترض لم يأت إلا بشبهات واهية، وحكايات سوفسطائية، أو منامات تضليلية، كما قال كعب بن زهير:
فلا يغرنك ما مَنَّتْ وما وَعَدَتْ ... إن الأماني والأحلام تضليل
...
وليس مع هؤلاء المشركين إلا دعوى مجردة مَحْشُوَّة بالأكاذيب، وليس معهم -بحمد الله- دليل من كتاب أو سنة أو قول واحد من سلف الأمة وأئمتها،
1 / 278