وقال مجاهد: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ ١ يعني: لا صاحبة له، وهذا كما قال تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ٢ أي: هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريبٌ يدانيه؟ تعالى وتقدَّس وتنَزه.
(قلت): فتدبر هذه السورة ما فيها من توحيد الإلهية والربوبية، وتنزيه الله عن الشريك والشبيه والنظير، وما فيها من مجامع صفات كماله ونعوت جلاله، ومَن له بعضُ تصورٍ يدرك هذا بتوفيق الله ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ ٣.
كلام ابن تيمية في شرك القبوريين
وأما قول المعترض: على قول المجيب: ونوع الشرك جرى في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أقول: هذه البردة متقدمة على زمن شيخ الإسلام، ولم ينقل عنه فيها كلمة واحدة.
(فالجواب): تقدُّم البردة على زمن شيخ الإسلام إن كان كذلك فماذا يُجْدِي عليه؟ وما الحجة منه على جواز الشرك؟ وأيضا فشهادته هذه على شيخ الإسلام غيرُ محصورة، فلا تُقْبل. وهو لم يطلع إلا على النّزر اليسير من كلام شيخ الإسلام، ولم يفهم معنى ما اطلع عليه، وهو في شِقٍّ، وشيخ الإسلام في شِقٍّ، وليس في كلام شيخ الإسلام إلا ما هو حجة على هذا المعترض، لكنه يتعلق في باطله بمثل خيط العنكبوت، فإن كان يقنعه كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- المُؤَيَّد بالبرهان، فقد تقدم من كلامه ما يكفي ويشفي في تمييز الحق من الباطل.
وكلامه -رحمه الله تعالى- في أكثر كتبه يُبَيِّنُ هذا الشركَ ويُنكره ويَرده، كما قد رد على البكري حين جَوَّزَ الاستغاثة بغير الله. ولا يشك مَن له أدنى مِسْكَة من عقلٍ وفهمٍ أن كلام صاحب البُرْدَة داخلٌ تحت كلام شيخ الإسلام في الرد عليه والإنكار
_________
١ سورة الإخلاص آية: ٤.
٢ سورة الأنعام آية: ١٠١.
٣ سورة النور آية: ٤٠.
1 / 268