واستعانته على الله وحده، وابن عباس من أحق الناس بأن يعلمه النبي ﷺ ما فيه له منفعة، فلو جاز صرف ذلك لغير الله لقال: واسألني واستعن بي، بل أتى ﷺ في مقام الإرشاد والإبلاغ والنصح لابن عمه بتجريد إخلاص السؤال، والاستعانة على الله –تعالى-. فأين ذهبت عقول هؤلاء الضُّلال عن هذه النصوص؟ والله المستعان.
وقال الشيخ –رحمه الله تعالى-: واعلم أن لفظ الدعاء والدعوة في القرآن يتناول معنيين: دعاء العبادة ودعاء المسألة، وكل عابد سائل، فكل سائل: عابد، وأحد الاسمين يتناول الآخر عند تجرده عنه. وإذا جمع بينهما؛ فإنه يراد بالسائل الذي يطلب لجلب المنفعة ودفع المَضَرّة بِصِيَغ السؤال والطلب، ويراد بالعابد: من يطلب ذلك بامتثال الأمر، وإن لم يكن هناك صيغة سؤال، ولا يتصور أن يخلو داعٍ لله؛ دعاء عبادة أو دعاء مسألة، مِنَ الرَّغَب والرَّهَبِ والخوف والطمع. انتهى.
فتبين أن أبيات البُرْدَةِ التي قدمنا الكلام عليها: تنافي الحق وتناقضه. وماذا بعد الحق إلا الضلال؟
الفتنة بالعالم الفاجر والعابد الجاهل أضر من كل فتنة
وقول المعترض: لا سيما، والناظم على جانب عظيم من الزهد والورع والصلاح؛ بل وله يد في العلوم، كما حكى ذلك مترجموه. وهذا صار كله هباء منثورا؛ حيث لم يرضوا عنه.
(أقول): هذه دعوى تحتمل الصدق والكذب. والظاهر أنه لا حقيقة لذلك فإنه لا يعرف إلا بهذه المنظومة فلو قدر أن لذلك أصلا فلا ينفعه ذلك مع تلك الأبيات، لأن الشرك يحبط الأعمال كما قال تعالى ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ١، وقد صار العمل مع الشرك هباء منثورا. قال سفيان بن عيينة: "احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون".
فإن كان في الرجل عبادة فقد فتن بأبياته كثيرا من الجهال، وعبادته -إن كانت- لا تمنع كونه ضالا؛ كما يرشد إلى ذلك آخر الفاتحة.
قال سفيان ابن عيينة: "من فسد
_________
١ سورة الأنعام آية: ٨٨.
1 / 251