اعبدوني من دون الله، أي: مع الله، وإذا كان هذا لا يصلح لنبي ولا لمرسل فَلأَنْ لا يصلح لأحد من الناس بطريق الأولى والأحرى.
ولهذا قال الحسن البصري: "لا ينبغي هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته، وذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضا"، يعني: أهل الكتاب، وقوله: ﴿أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾ ١ أي: لا يأمركم بعبادة أحد غير الله، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ﴿أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ٢ أي: لا يفعل ذلك؛ لأن من دعا إلى عبادة غير الله فقد دعا إلى الكفر، والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: ﴿مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ٣. وقال: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ ٤. وقال في حق الملائكة: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ ٥ انتهى. وهو في غاية الوضوح.
وبيان التوحيد، وخصائص الربوبية والإلهية، ونظائر هذه الآيات كثير في القرآن، وفي السنة من الأحاديث كذلك.
إخلاص الدعاء لغير الله
فإذا كان من المستحيل عقلا وشرعا على رسول الله ﷺ هو وجميع الأنبياء والمرسلين أن يأمروا أحدا بعبادتهم، فكيف جاز في عقول هؤلاء الجهلة أن يقبلوا قول صاحب البردة:
سواك عند حلول الحادث العمم
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
وقد أخلص الدعاء الذي هو مخ العبادة، واللياذ الذي هو من أنواع العبادة لغير الله، وتضمَّن إخلاص الرغبة والاستكانة والاستغاثة والالتجاء إلى غير الله؟ وهذه هي معظم أنواع العبادة كما أشير إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ ٦ الآية. وقوله:
﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي
_________
١ سورة آل عمران آية: ٨٠.
٢ سورة آل عمران آية: ٨٠.
٣ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٤ سورة الزخرف آية: ٤٥.
٥ سورة الأنبياء آية: ٢٩.
٦ سورة الرعد آية: ١٤.
1 / 231