بالكلام على أول الفصل فقال: ﴿كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون﴾. فشبه كراهتهم ما جرى في أمر الأنفال وقسمها بالكراهة في مخرجه من بيته، وكل مالا يتم الكلام إلا به من صفة وصلة فهو كنفس الكلام. فإن قيل: فما معنى قوله: ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به﴾ الآية؟. وقد اكتنفه من جانبيه قوله سبحانه: ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره﴾ وقوله: ﴿كلا بل تحبون تحبون العاجلة وتذرون الآخرة﴾، ولا مناسبة بين الكلامين اللذين اعتوراه، قيل هذا عارض من حال دعت الحاجة إلى ذكره، فلم يجز تركه ولا تأخيره عن وقته، كقولك للرجل وأنت تحدثه بحديث فيشتغل عنك ويقبل على شيء آخر - أقبل علي واسمع ما أقول، وافهم عني، ونحو هذا من الكلام، ثم تصل حديثك ولا تكون بذلك خارجًا عن الكلام الأول قاطعًا له، إنما تكون به مستوصلًا للكلام مستعيدًا له. وكان رسول الله ﷺ أميًا لا يقرأ ولا يكتب وكان إذا نزل الوحي وسمع القرآن حرك لسانه يستذكر به، فقيل له: تفهم ما يوحى إليك ولا تتقلبه بلسانك، فإنا نجمعه لك ونحفظه عليك، أخبرنا الأصم قل نا أبو أمية الطرطوسي قال: حدثني عبيد الله بن موسى قال: حدثني إسرائيل عن أبي إسحق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله سبحانه: ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به﴾ قال: كان يحرك به لسانه مخافة أن يتفلت منه.
وأما ما عابوه من الحذف والاختصار في قوله سبحانه: ﴿ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى﴾ فإن الإيجاز في
1 / 51