مطلقا قول باطل وتحريف عاطل فإن بعض هذه الآيات صريحة في النفي عن غيره تعالى وإثبات ذلك له تعالى فدلت على أمرين نفي وإثبات وحق وعدل كما دلت عليه كلمة الإخلاص ومن قال: إن المعنى أنه يعلم بنفسه وليس في ذلك نفي عمن سواه تعالى فهو كمن يقول: إن لا إله إلا الله دلت على إثبات إلهيته وليس فيها نفي لإلهية غيره تعالى الله عن قول هؤلاء علوا كبيرا، وهذا التحريف من وحي الشيطان الذي قصد به رد ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله، ومن دان به فقد انسلخ من الإسلام والعياذ بالله ولا يمر على سمع الموحد أسذج من هذا التحريف وأشنع منه.
ومن الذي ادعى أن علمه تعالى حاصل له من غيره؟ حتى يقصد رد قوله بهذه الآيات؟ هذا لا يقوله أحد ممن أثبت للعالم صانعا مدبرا وأين قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ (١)، من هذا المعنى الذي أورده الفارسي؟ فإن صريح الآية نفي علم مفاتح الغيب عن غيره وكذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ (٢)، فيه نفي علمه عن كل من في السماوات والأرض الغيب إلا الله تعالى، وهي صريحة في النفي عن غيره كالتي قبلها فكلاهما دل على معنيين: ثبوت علمه بذاته ونفي ذلك عمن سواه، وأبطل شيء قول الفارسي بأنها لا تدل على نفيه عن عباده وكذلك قوله لنبيه: ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ (٣) الآية صريحة في نفي علم الغيب عن سيد ولد آدم فضلا عن غيره وكذلك قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (٤)، تقدم الجار والمجرور يفيد الحصر والاختصاص فعلم الغيب له لا لسواه.
وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (٥) هذا يفيد اختصاصه تعالى وانفراده بعلم الغيب لأن السياق لبيان الكمال والمدح والثناء على نفسه تعالى ولو ثبت ذلك
_________
(١) سورة الأنعام: من الآية ٥٩.
(٢) سورة النمل: من الآية ٦٥.
(٣) سورة الأنعام: من الآية ٥٠.
(٤) سورة هود: من الآية ١٢٣.
1 / 74