لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (١)، إلى غير ذلك من الآيات مما يدل على نفي الغيب عما سواه تعالى. وإذا كان كذلك فكيف يستمد مما لا علم له بأحوالنا خصوصا بعد الموت؟ " قال الشيخ المحقق عبد اللطيف ".
قال المعترض: وأجيب بأنها إنما تدل على ثبوت العلم بالغيب له تعالى لذاته بذاته بمعنى أنه لا يحصل له من غيره ولا تدل عن نفيه من عباده مطلقا بل يجوز أن يحصل لهم مستفادا من الله بأن يخلقه تعالى فيهم بلا سبب أو بالأسباب الخفية كالوحي والإلهام والرؤيا الصالحة والمشاهدة الحقة كما يدل عليه الاستثناء في قوله تعالى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ (٢) .
وقوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ (٣) قال القاضي في تفسيره (٤) الأول إلا بما شاء أن يعلم وقال في تفسيره الثاني من رسول بيان لمن، قال: واستدل به على إبطال الكرامات وجوابه تخصيص الرسول بالملك والإظهار بما يكون بغير واسطة، وكرامات الأولياء بإطلاعهم على المغيبات إنما يكون تلقيا من الملائكة كاطلاعنا على أحوال الآخرة بواسطة الأنبياء ﵈ انتهى.
ثم ساق الفارسي ما جاء في مناقب عمر ﵁ أنه رأى سارية من مسافة بعيدة لا يرى ولا يسمع من مثلها في العادة فناداها يا سارية الجبل، ثم قال: إذا علمت أن العلم (٥) قد يحصل لعباد الله الصالحين
_________
(١) سورة الأعراف: رقم الآية ١٨٨.
(٢) سورة البقرة: رقم الآية ٢٥٥.
(٣) سورة الجن: رقم الآية ٢٦-٢٧.
(٤) المراد بقوله في تفسيره الأول أي الاستثناء الأول وهو (إلا بما شاء)، وبقوله في تفسيره الثاني أي الاستثناء الثاني وهو (إلا من ارتضى من رسول) .
(٥) في الأصل على المغيبات ورأينا أن الأنسب بالمقام الباء فأثبتناه والله أعلم.
1 / 70