تنبيه
اعلم أن المشركين الأولين لا يقولون بجواز الاستمداد في كل شيء، وكل مطلوب كما تقتضيه عبارة هذا المعترض لأن الله تعالى حكى عنهم في كتابه أنهم يخلصون الدعاء والطلب في الشدة والضراء كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُورًا﴾ (١) وقال: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ (٢) .
وبهذا نعلم أن قول هذا المعترض شر من قول المشركين الأولين والله تعالى المستعان وسيأتي مزيدا لهذا عند الكلام على مسألة التصرف إن شاء الله تعالى، وقوله إن المنكرين للاستمداد مطلقا معتزلة ومن قصره على الأنبياء ليس معتزليا، وأظنه سمع إنكار المعتزلة للكرامات وإثبات بعضهم المعجزات فقط فظن أن هذه هي مسألة الاستمداد، وهذا جهل عظيم وخلط وخيم، بل مسألة الاستمداد من الأموات نوع من الشرك الأكبر الذي لا يغفر ولم يجزه أحد ممن ينتسب إلى الإسلام لا المعتزلة ولا غيرهم بل كلهم مجمعون على تكفير من فعله كما تقدمت حكاية الإجماع عن شيخ الإسلام
_________
(١) سورة الإسراء: رقم الآية ٦٧.
(٢) سورة العنكبوت: رقم الآية ٦٥.
1 / 63