فقال محمد بدهشة: كيف أهجرهم بعد أن توج كفاحهم بالفوز المبين؟
فقال الأب كاظما غيظه: ما هي إلا حركة بلا جذور شعبية فلا تعرض نفسك لغضب الشعب كما تعرضت سابقا لغضب الحكومة!
فابتسم محمد ثقة وقال: الماضي مات قبل أن تمتد يد لقتله!
واعتبرت الأسرة أن لها في الحركة الجديدة عضوا، وأنها تتحول به من أسرة مغمورة إلى أسرة حاكمة أو مشاركة في الحكم، واعتبرت منيرة أن لها عضوين؛ أخاها وحبيبها، وانشرح صدر سنية وخيل إليها أن حلم تجديد البيت سيتحقق في وقت قريب، وأن متاعب المعيشة ستخف يوما بعد يوم، حتى أحزانها الخاصة ستذوب في النشوة الشاملة. وتطور محمد في أحاديثه من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم؛ فبات يقول سنفعل كذا وكذا، وتمنت ألفت أن يلمع كالآخرين وأن يذلل العقبات المعترضة لزواجها. ودون أن تدري مضت تهتم بالسياسة وبالدين متخذة من محمد مرجعا ومرشدا؛ حتى قال محمد لنفسه: إنها مختلفة تماما عن أمها التافهة.
وذات يوم سأل منيرة: كيف تتصورين موقف ماما مني إذا كاشفتها بعلاقتي بألفت؟
ففاجأته منيرة قائلة: أخبرتها رحمة بها!
فهتف: لكني لم أشعر بأي تغير من ناحيتها! - ألا تعرف ماما؟!
وكانت سنية قد رأت ألفت مرارا من نافذة حجرة نومها الخضراء، وكالعادة تنبأت بما سيحدث فوطنت النفس على التسليم به. وقالت إن حظها على أي حال أحسن من حظ ملكة مصر الضائعة، وإنه من الحماقة أن تتحدى أحداثا تحمل فوق جبينها طابع القدر. ولكن كيف يستعيد البيت شبابه؟ سيمسي ذلك حلما لا يتحقق إلا بحلم ولا يبقى لها إلا أن تعبد الله. وذات مساء راح حامد برهان يشرح خبايا الموقف السياسي لسماره قائلا: ما الحركة إلا مؤامرة أمريكية للقضاء على الوفد!
وأراد أن يحلل رؤيته ولكن حماسه فتر فجأة، وصمت، وشحب لونه وتفصد جبينه عرقا رغم برودة الجو، وطرح جسمه البدين على ظهر الفوتيل الكموني؛ فسأله حسن علما المهندس بقلق: مالك؟
حاول أن يبتسم فعجز، خانته قواه، لاح له وجه بوذا، ثم أسبل جفنيه. وحملوه إلى فراشه، استدعت ميرفت طبيب الضاحية فشخص الحال بأنه هبوط في القلب وأمره بالراحة التامة. انزعج الأهل والسمار، وذهبوا في تفسير الحال مذاهب شتى، قالوا إنها الانفعال السياسي المستمر، وقالوا إنه الزواج دون غيره، حتى قال جعفر إبراهيم: إنها مشيئة الله.
نامعلوم صفحہ