رجعا قبل أن يقدرا مدى الخطر الحقيقي الزاحف لالتهام صفحة كاملة من تاريخ دام. وهوى رد فعل عنيف كالصاعقة. وقال حامد برهان لسماره: المجرمون يقهقهون!
غير أن القهقهة انقطعت حال ارتفاع صوت جديد في الصباح الباكر من 23 يوليو 1952. تبادلت الأسرة النظرات حول مائدة الإفطار، وتكلم محمد قائلا: فلنستبشر خيرا؛ فأي شيء خير مما كان.
وتساءلت منيرة: والإنجليز؟!
فقالت سنية: أمل مجهول خير من يأس راهن!
وتابع حامد برهان سيل الأخبار المتدفق بذهول. كان - كوفدي - يشارك في الأحداث إيجابا أو سلبا عندما كانت الحلبة خالية للوفد وأعدائه، أما هذه المرة فالقوة الفعالة غريبة وطارئة ومبهمة. ورأى العدو التقليدي - الملك - يرحل إلى الأبد؛ فلم يدر أيعتبر ذلك نصرا أم هزيمة، وهيمن عليه فتور فتوجس خيفة غامضة. ولما رأى ميرفت دامعة العين لذهاب الملك تمتم بميكانيكية: هذا جزاء العبث!
فتساءلت ميرفت: ألا ترى أن السلطة آلت إلى رجل وضع نفسه فوق القانون؟!
فقال وهو لا يصدق حرفا مما يقول: إنهم يعدون بتقديس الدستور.
ومثل ميرفت بكت كوثر وهي تستمع إلى نبأ طرد الملك، واستشهد الوجيه نعمان الرشيدي بالقرآن لأول مرة في حياته فقال:
إذا زلزلت الأرض زلزالها ... وقال الإنسان ما لها .
وتحمست منيرة للحركة بلا تحفظ وبتلقائية، وأيضا متأثرة بحماس حبيبها سليمان بهجت الذي وضح أن أخاه ضمن الضباط الأحرار. ولحق بها محمد عندما آمن بأن الحركة «إخوانية» بل قد دعا إلى بعث النشاط من جديد في شعبة حلوان. ودعا حامد برهان ابنه محمد إلى مقابلة عاجلة وكان على علم بما بينه وبين ألفت، وقال له: ابعد عن الإخوان، حسبك ما أصابك نتيجة لانضمامك البريء إليهم!
نامعلوم صفحہ