عصری بلاغت اور عربی زبان
البلاغة العصرية واللغة العربية
اصناف
عندما نسبر الأعماق التي تنشأ في ظلامها هذه النزعات العجيبة نحو كراهة الحضارة العصرية وما يتبع ذلك من كراهة الكلمات الأوروبية، ثم أخيرا هذا التشبث بعادات ذهنية واجتماعية شرقية، مثل المحافظة على عادات الزواج والطلاق، بل المحافظة على الملابس الفضفاضة، عندما نسبر هذه الأعماق؛ نجد أنها كلها ترسو على مراس من البغض للاستعمار الأوروبي.
هذه الإحساسات والنزعات يجب أن تجد منا الثناء لهذا السبب؛ فإن هذا الاستعمار بقي نحو مائتي سنة وهو يحطم الشعوب العربية وينهب ثرواتها ويفسد أخلاقها، ويسلط عليها أوغادها، وهو يوشك على الخروج من أرضها ولكن بعد أن أفشى المرض والفقر والجهل في شعوبها، ثم الاستبداد والفساد في زعمائها.
نحن معذورون فيما نحس من بغض للحضارة الأوروبية الزاحفة، ولذلك عندما نقاطع هذه الحضارة، وعندما نتشبث بالموقف السلبي منها؛ نرفض حتى كلماتها وحروفها إنما نصدر في كل ذلك عن إحساس بكرامتنا التي ديست بأقدام الاستعماريين، وكأننا في هذا الموقف رهبان نرفض الدنيا؛ لأننا لا نطيقها ونعتكف قانعين بالجوع والحرمان أو ما يقاربهما من الزهد، ولكن هذه الدنيا للمتعلقين وليست للعاطفيين.
فإن الحضارة العصرية: هي حضارة العلم والصناعة والرخاء والثراء والصحة والثقافة، وأخيرا هي حضارة المستقبل الاشتراكي للإنسان هذا المستقبل الذي يومئ إلى الخير والبر والمساواة والسلم.
فيجب أن نتعقل وأن نذكر أن الاستعمار كان حقبة محتومة في تاريخ الإنسانية لم يكن مفر منها، وهو إذا كان قد قسا وتوحش في معاملتنا فإن قسوته وتوحشه لم يكونا أقل أو أرفق في معاملته للملايين من العمال في أوروبا نفسها.
ثم نحن بين اختيارين: (1)
إما أن نهلك ونباد كما باد الدينصور إذا التزمنا عاداتنا الذهنية والاجتماعية والثقافية لا نغيرها. (2)
وإما أن نعين لشعبنا وسائر العرب آفاق التطور البشرية التي يتطلعون إليها وينشدونها ويهيئون لها، فنبقى ونحيا.
ووسيلة البقاء والحياة في عصرنا هي العلم والصناعة، ولا سبيل إلى الصناعة بغير العلم ولا سبيل إلى العلم بغير الحروف اللاتينية.
نحتاج إلى ثقافة علمية تعم الشعب؛ حتى يترك غيبياته وينزل على قوانين المادة في الزراعة والصحة والصناعة وحتى تعمه العقلية العلمية؛ فيحل مشكلات الزواج والطلاق والعائلة والجريمة والتربية والسياسة بأساليب العلم، وليس وفقا وخضوعا للتقاليد والعقائد.
نامعلوم صفحہ