عصری بلاغت اور عربی زبان
البلاغة العصرية واللغة العربية
اصناف
أما في المدارس الثانوية فنشرع في تعليم أقل ما يستطاع من قواعد النحو ولا نبالي الإعراب الذي أثبت الاختبار أنه لا فائدة منه بتاتا؛ لأننا كلنا - كما قلنا - نقرأ أو نكتب دون أن نحتاج اليه والوقف في أواخر الكلمات؛ أي إسكانها هو الخطة السديدة التي يجب أن تتبع، وعندئذ يتوافر للتلاميذ الوقت لزيادة ما يدخرون من الكلمات، وهنا تدخل البلاغة، ونعني بلاغة المنطق اللغوي؛ للتمييز بين الكلمات من حيث الدقة والاقتصاد في التعبير، وليس من حيث ألاعيب الصغار عن الاستعارات والمجازات كوجه القمر وأنت بحر وعلم من فوقه نار إلخ.
ويجب أن تكون لنا غاية أخلاقية في تعليم اللغة العربية إلى جانب الغاية الثقافية، وهي تعويد التلميذ القراءة حتى تعود حاجة ملحة في نفسه لا يستطيع الاستغناء عنها طيلة عمره؛ ولهذا يجب أن تكون لديه مئات من الكتب التي تبسط له المعارف البشرية في عبارة مقتصدة تفتح له آفاقا جديدة في كل عام من أعوام دراسته فتثير استطلاعه وتحمله على البحث والتساؤل.
ولهذا السبب يجب أن تتناول كتب المطالعة في المدرسة والبيت موضوعات البيولوجية والاجتماع والتراجم والكيمياء والفلكيات والاقتصاد والصناعة، والمألوف في الوقت الحاضر أن تحتوي كتب المطالعة للأقسام الثانوية مقطوعات أدبية من كتب العرب قبل ألف أو خمسمائة سنة، ولكن هذه الكتب لا تثير الاستطلاع ولا تحمل التلميذ على التساؤل والبحث والدراسة الذاتية، ولا تعوده القراءة بعد أن يترك المدرسة بل حتى بعد أن يترك الجامعة؛ ولذلك يجب أن تؤلف الكتب الجديدة في المعارف العصرية التي تستفز التلميذ إلى البحث.
وهنا يجب أن نذكر حادثا له قيمته هنا، فقد حدث أن قصد فوج من طلبة إحدى الجامعات في الولايات المتحدة إلى ألمانيا للتعلم وكان منهم من شاء التخصص في اللغة والأدب، ومن قصد إلى التخصص في العلوم كالكيمياء أو البيولوجية أو الطبيعيات، فبعد عام من الدراسة اتضح أن الذين قضوا عامهم في دراسة اللغة والأدب بالذات؛ لم يحسنوا تعلم هذه اللغة لا كلاما ولا كتابة كما أحسنها أولئك الآخرون الذين قضوا عامهم في دراسة الكيمياء والبيولوجية والطبيعيات وذلك؛ لأن الفريق الأول قضى وقته في دراسة نحو اللغة وبلاغتها في حين أن الآخرين قصدوا إلى مادة علمية درسوها بالألمانية فأتقنوا اللغة عن سبيل دراسة هذه المادة.
ويجب أن نسترشد نحن بهذا المثل في تعليم اللغة العربية فإننا نحسن تعلمها بقراءة الكتب التي تختلف موضوعاتها؛ لأن هذا الاختلاف في الموضوعات يخصب الذهن تفكيرا وفهما كما أنه يوفر للتلميذ مئات الكلمات التي تثير استطلاعه وتفهمه فيستزيد من القراءة ويستنير ويعرف اللغة، بل يعرفها هذه المعرفة المتفاعلة المتجددة مع مجتمعه وعلومه وفنونه، أما إذا قصرناه على دراسة القواعد النحوية والبلاغية وكتب الأدب القديم؛ فإنه يزهد ويقل استطلاعه أو ينعدم؛ لأنه يجد أنه قد تعب في استظهار كلمات لا تتفاعل مع مجتمعه وعلومه وفنونه.
قلنا: إنه يجب أن تكون لنا غاية أخلاقية في تعليم اللغة العربية، هي تعويد التلميذ القراءة بحيث لا يستطيع الكف عنها طيلة حياته، وغاية أخرى نتوخاها هي تكوين شخصيته بالمناقشة والخطابة؛ ولا نعني بالخطابة تلك الحركات المنبرية البهلوانية التي تعتمد على قوة الذراعين والحنجرة أكثر مما تعتمد على الفهم والتمييز، وإنما نعني أن نكثر من الموضوعات التي يطالعها التلاميذ مع المعلم؛ فتنشأ المناقشة المنيرة التي يتعلم منها التلميذ كيف يناقش وينتقد.
إذن يجب على معلم اللغة العربية في مدارسنا الابتدائية والثانوية أن يكون موسوعي المعارف يستطيع الشرح للموضوعات الاجتماعية والبيولوجية والسيكولوجية والتاريخية والفلكية. وعليه أيضا أن يعرف - على الأقل - لغة أجنبية أو لغتين؛ كي يقارن بين العربية وبينهما ويجدد في لغتنا بمقدار انتفاعه من الجديد فيهما وإنه لزهو مضحك أن يعتقد أحدنا أن لغتنا تستطيع أن تعيش مستكفية لا تستمد التعبير الحسن من الإنجليزية أو الفرنسية وأن عليها أن تجتر نفسها دون أن تتزود من المعارف العصرية، وهذا الاعتقاد من أكبر الأسباب للفاقة الثقافية التي نعانيها في وقتنا.
الفصل الثامن والعشرون
الخط اللاتيني
إذا كان الأساتذة والطلبة في كلية الآداب في الجامعة، أو في دار العلوم أو كلية اللغة العربية راضين عن اللغة العربية فرضاؤهم يمكن أن يعلل ويفسر من الناحية الاقتصادية الاجتماعية ولكنه لا يفسر من الناحية الثقافية؛ لأن هذه اللغة لا ترضي رجلا مثقفا في العصر الحاضر؛ إذ هي لا تخدم الأمة ولا ترقيها؛ لأنها تعجز عن نقل نحو مائة علم من العلوم التي تصوغ المستقبل وتكيفه.
نامعلوم صفحہ