وباقلاء باقل ... يعجب حسنا من رمق
كأنما نواره ... إذ رق خلقا وخلق
أذقان بيض غلفت ... لمبصر ومنتشق
أوأعين حور جرت ... إلى مآقيها الحدق
وهدبها مستبطن ... في ورق من الورق
أو جنح ليل بقيت ... منه بقايا من فلق
أو سبج من درر ... أو ثنن بها بلق
كأن للمسك بها ... مشقا بنيات طرق
وعرفه معرف ... بأنه فيه فتق
كأن نجل عامر ... من خلقه طيبا خلق
ملك إذا صال عفا ... حلما وإن سيل اندفق
إن بخل الغيث سخا ... أو عنف الدهر رفق
قوله: "جرت إلى مآقيها الحدق" بديع غريب لأن السواد الذي جعله حدقة العين هو في ناحية من النور، وليس متوسطا له، فكأن الحدقة قد جرت إلى المأق وهو طرف العين ممايلي الأنف. "وهدبها مستبطن.." البيت وهو مما أكمل به الوصف وتمم التشبيه، لأن في الورقة التي ظاهرها تلك الصفة المتقدمة خطوطا سودا جعلها هدبا لتلك العيون، وهي التي عنى بقوله:
كأن للمسك بها ... مشقا بنيات طرق
قوله: "أو ثنن بها بلق" جمع ثنة وهي الشعر الذي يكون على مؤخر الرسغ. قال أبو الوليد: ولي فيه تشبيه ربما يوافق، وتمثيل كأنه يطابق وهو: [الطويل]
أرى الباقلاء الباقل اللون لابسا ... برود سماء من سحائبها غذي
ترى نوره يلتاح في ورقاته ... كبلق جياد في جلال زمرذ
ودخلت بستانا لي مع الفقيه أبي الحسن بن علي وكان به باقلاء قد نور، فأخذ من نوره وصنع مصارعا وسألني إجازته، ففعلت وزدت بيتا آخر. ومصراعه: [الرمل]
سبج في كأس در ... ..........................
وزيادتي........ ... أو كسوف وسط بدر
أو غوال في لآل ... أو غشاء بين فجر
ووقعت إي أيضا في الباقلاء بعينه قطع مستطرفة وأوصاف مستظرفة تشبهت بالنور فرأيت ذكرها، فمنها وصف الوزير أبي عامر بن شهيد_رحمه الله_في قطعة بديعة [بزيعة] مطبوعة مصنوعة وهي: [المنسرح]
إن لآليك أحدثت صلفا ... فاتخذت من زمرد صدفا
تسكن ضراتها البحور وذي ... تسكن للحسن روضة أنفا
هامت بلحف الجنان فاتاخذت ... من سندس في جنانها لحفا
تثقبها بالثغور من لطف ... حسبك منا ببر من لطفا
أكل ظريف وطعم ذي أدب ... والفول يهواه كل من ظرفا
وقال لي الفقيه أبو الحسن بن علي: رأيت في يد صديق حبة باقلاء شديدة سواد القشر، وكلفني وصفها فقلت بديهة: [المنسرح]
فص من العاج حقه سبج ... ممتزج بالجمال مزدوج
فيه سواد يزين غرته ... كأنه مقلة بها دعج
يؤثر رطبا ويابسا أبدا ... ويستبي النفس فوحه الأرج
وأخبرني أيضا قال: طالعت بستانا لي بغربة قرطبة، وكان فيه باقلاء فجعل بعض الغلمان ينقي منه ويناولني فقلت: [المنسرح]
ريم سبى مقلتي تورده ... يسل سيف الهوى ويغمده
جار على جرجر فخربه ... وظل من قشره يجرده
وكلما ابتز ثوب واحدة ... منها حبتي بحبها يده
فقلت مستطرفا لفعلته ... وزاد في نبله تعمده
كلاكما لاعدمت حسنكما ... ينشق عن لؤلؤ زبرجده
فارتاب بي وانثنى على خجل ... وحبه ساقط يبدده
قوله: (جار على جرجر" الجرجر لغة في الباقلاء. وقوله: ينشق عن لؤلؤ زبرجده" فاللؤلؤان من هذا وهذا الحب والثغر. والزبرجدان منهما: القشر والشارب الأخضران. وفي هذه القطعة من جيد الصناعة، وحسن الصياغة ما يعجب الناظر، ويعجز الخاطر قال أبو الوليد: وفي بزر الكتان أوصاف موسومة بالإحسان أنا ذاكرها إن شاء الله تعالى.
نور الكتان
قال أبو جعفر بن الأبار يصفه [بوصف نادر مختار وهو]: [المجتث]
وبزر كتان أوفى ... بكل وهد ونجد
كأنه حين يبدو ... مداهن اللازورد
إذا السماء رأته ... تقول: ذا من فرندي
قال أبو الوليد: ولي فيه قطعة أخرى. [المنسرح]
كأن نور الكتان حين بدا ... وقد جلا حسنه صدا الأنفس
أكف فيروزج معاصمها ... قد سترتهن خضرة الملبس
أولا فزرق الياقوت قد وضعت ... على بساط يروق من سندس
ووقع إلي في نور الغلبة وصف حسن الذكر أذكره لئلا أدع مستحسنا أجده.
1 / 43