ومن السابغ برد كماله، السائغ ورد جماله، قول أبي جعفر بن الأبار في بركة على جوانبها أقحوان وهو: [المنسرح]
وبركة بالأقاح محدقة ... تخال ريح الصبا بها صبه
يحل فيها الحباب حبوته ... إذا جرت للصبا بها هبه
كأنها راحة بها غصن ... حفت من الدر حولها لبه
شبه تكسر الماء براحة: وهي الكف فيها غضن، والغضن: التشنج والتكسر وشبه ابيضاض الأقحوان واتصاله بالبركة بلبة در. واللبة: العقد العالي، سمي بموضعه من الصدر. ولأبي القاسم البلمي فيه تشبيه حسن [أنشدنيه، وهو]: [الخفيف]
راق عيني منظر الأقحوان ... بنفيس اللجين والعقيان
كفه بالحبيب سوك فاه ... بعد عود الأراك بالزعفران
قال أبو الوليد: ولي في بركة عليها أقحوان تشبيه تضمنه بيتان وهما: [المتقارب]
كأن الثرى صيرفي له ... نطوع من اللازورد البديع
يقلب فيه من الأقحوا ... ن درهم من ضرب كف الربيع
هذا ما عثرت عليه وانتهيت باجتهادي إليه في نور الأقحوان من التشبيهات الحسان. وحين أكملته أورد ما وقع إلي من المستندر في الشقر
الشقر
ويسمى شقائق النعمان، وسأذكر مارأيت من التشبيه في هذا الباب إن شاء الله. فمن جيد التشبيه فيه وحسن التمثيل له قول الفقيه أبي الحسن بن علي موصولا بمدح ذي الوزارتين القاضي_كبت الله أعداءه، وأدام عليهم إعداءه_وهو: [البسيط]
إن الشقائق من حمر الخدود قد اش ... تقت ومسودها من حالك اللمم
كأنها في المروج الخضر أبنية ... حمر قد اصطملحت من قانيء الأدم
يا بن الذي قد حماها في منابتها ... فلم تزل في حمى منه وفي حرم
معروفة باسمه في كل مطلع ... محفوظة المنتهى مرعية الذمم
جدد لها من وكيد العهد حرمتها ... وصل لها محدث الإكرام بالقدم
قوله: "يابن الذي قد حماها" يخاطب ذا الوزارتين القاضي_ أعزه الله_لأنه ابن النعمان الملك الذي نسبت إليه الشقائق، وجاء في الخبر قال: خرج النعمان يوما فمشى حتى انتهى إلى الظهر، وقد اعتم بنبته من أحمر وأصفر، وإذا فيه من هذه الشقائق شيء لم ير مثله، فقال: احموها. فحموها. فسميت شقائق النعمان بذلك. حكى هذا أبو حنيفة ورفعه إلى أعشى بكر وذكر أنه كان حاضر النعمان يومئذ. وله أيضا فيه أبيات عجيبة ضمنها هذا المعنى وهي: [الخفيف]
أصبحت طلع الشقائق نهبا ... لجناه الورى بكل طريق
لو أعيد النعمان حيا لراعى ... غير وان لها مضاع الحقوق
وكأن السواد فيها غوال ... بسطت في مداهن من عقيق
أو نثير من طيب المسك محض ... صب بالعمد في كؤوس الرحيق
ومن الصفات المستحسنة قول الوزير أبي عامر بن مسلمة وهو: [الخفيف]
يا نديمي قم اصطبح ... وعلى العود فاقترح
إنما العيش بالسما ... ع وبالناي وبالقدح
وتأمل حسن الشقا ... ئق تنشط إلى المدح
مثل كأس العقيق في ... قاعه المسك يلتمح
ومن الصفات السنية المحكمة فيه قول صاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية وهي: [الرجز]
وحالك اللون كلون المسك
كأنما أحداقه من سلك
مدرع ثوبا دقيق السلك
كأنما صباغه باللك
أزرى بلون الورد لو ما يحكي
نسيمه كان بغير شك
ما بين أنوار الربا كالملك
قال أبو الوليد: ولي فيه بيتان ربما انفرد بتشبيه وهما: [الطويل]
رياض يحييها الحيا بانسكابه ... فتسفر للنظار عن منظر نضر
إذا ما بدت فيها الشقائق خلتها ... شعور العذارى لحن في الخمر والحمر
لم أعثر في الشقائق على غير ما أوردت، ولا وجدت في وصفها سوى ما ذكرت. ووقعت إلي في نور الباقلاء صفات جيدة وتشبيهات حسنة أذكرها بأسرها وأورد جميعها.
نور الباقلاء
فمن بديع ما قيل فيه، ورفيع ما شبه به قول صاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية وهو: [الخفيف]
وبنات للباقلاء تبدت ... كعيون تفتحت من رقاد
فبياض منها مكان بياض ... وسواد منها مكان سواد
وقال أبو جعفر بن الأبار يصفه في قطعة موصولة بمدح أبي_أطال الله لي عمره، ورزقني بره_فاستكمل الصفات بأبدع تشبيهات وأرفع تمثيلات [والقطعة]: [مجزوء الرجز]
1 / 42