الزنابير: جمع زنبور، وهي النحل، وإنما عنى بالبيت انغلاق أوراقه ليلا، وقصد النحل دون غيرها لأن النيلوفر يسمى قاتل النحل لطلبها أبدا أكل ما داخل أوراقه فربما فعلت ذلك وقت انغلاقه فامتنعت من الخروج. ولم أر لكل من صنع فيه، وعني بوصفه ذكر أمر الزنابير إلا للفقيه أبي الحسن ابن علي في قطعة عجيبة أنشدنيها وهي: [الخفيف]
ما لنيلوفر الحدائق يقظا ... ن مع النور هاجعا في ظلامه
أشبه الأنس في تصرف حالي ... هـ ووقتي سهاده ومنامه
وتوقيه في الدياجي بإغلا ... ق نواويره وضم كمامه
لقبوه بقاتل النحل لما ... أبصروا النحل مقصدا لسهامه
لم يجر في القصاص إذ ذلك لص ... سارق بالنهار شهد ختامه
وللوزير الكاتب أبي الأصبغ بن عبد العزيز في انغلاقه تشبيه دقيق، وتمثيل أنيق وهو: [المتقارب]
ونيلوفر فاق في فضله ... صنوف النواوير من شكله
وفاتهم بالذي حازه ... كما قصر الكل عن نيله
يبيح نهارا لزواره ... محيا يرغب في وصله
ويمنع بالليل من وجهه ... ليأخذ بالحزم في فعله
كبائع عطر بحانوته ... ضياء النهار إلى ليله
فإن جاءه الليل أفضى به ... إلى سده وإلى قفله
وأنشدني لنفسه فيه الوزير أبو عامر بن مسلمة أبياتا رائقة تضمنت أوصافا رائعة موصولة بمدح الحاجب_لا أعد منا الله جاهه كما أعدمنا أشباهه_: [السريع]
يا حبذا النيلوفر الطالع ... ومجتلاه الناضر الناصع
كأنه مخزنة من مها ... في وسطها زمرد ساطع
وحوله ألسنة ستة ... من فضة أتقنها صانع
كل لسان أبيض ناصع ... والطرف منه أصفر فاقع
قام على خضراء من سوقه ... فكل إبريق له راكع
ركوع أملاك الورى للذي ... نداه دان والحيا شاسع
ذاك ابن عباد سليل العلا ... الحاجب المرتفع الرافع
دام دوام الدهر في عزة ... تبقى ويبقى الحاسد الخاضع
وللفقيه أبي الحسن بن علي في تشبيه لونيه وصف متناه ليس له مواز ولا مضاه وهو: [البسيط]
كأنما زهرة النيلوفر اختلست ... قطعا من الليل قد حف الصباح به
فالنور منقطع عن جزم عنصره ... والليل ممتنع من حكم غيهبه
فعل أشتهما من أصل طبعهما ... ماذا تألف من شمل الجمال به
ولصاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية في جميع أحواله وصف أعرب عن كماله وهو: [مشطور الرجز]
وذات جسم كاللجين المنسبك
مبيضة الأثواب من نسج البرك
خضر سراويلاتها حصر التكك
كأنما العنبر فيها قد فرك
والمسك في قيعانها قد امتسك
ناسكة نهارها مع النسك
حتى إذا الليل تدانى واشترك
وآن أن يأتي المحب المنتهك
غلقت الباب وقالت: هيت لك
ومن [السحر المنتحل]، والكلام المنتخل في حالاته كلها، وصفاته بأسرها، ما أنشدنيه [لنفسه] أبو جعفر بن الأبار موصولا بمدح ذي الوزارتين القاضي_أدام الله أيامه وأسبغ علينا إنعامه_وهو: [المنسرح]
وناصع اللون أسود الحدقه ... جفونه بالعشاء منطبقه
كذي دلال لم يستطع أرقا ... فنام والنور واصل أرقه
هام به الليل والنهار معا ... فصد عن ذا وخص ذامقه
لا تمتروا في الذي تضمنه ... تلك سويداء قلب من علقه
نيلوفر أحكمت بدائعه ... لا يحتوي خلقه ولا خلقه
طاهر ثوب كأن خالقه ... من عرض قاضي القضاة قد خلقه
سليل عباد الذي حشمت ... منه وجوه السحائب الغدقه
المجد أفق غدا له قمرا ... والحق حق حوى به طبقه
ومما يشاكل هذا براعة، ويشبهه بزاعة، قوله [أيضا فيه] موصولا بمدح ذي الوزارتين أبي عمرو عباد_أعزه اله وأحسن ذكراه_وهو: [المتقارب]
إذا النور خص بمدح فما ... لنيلوفر الروض لا يعبد
وأوراقه كعبة من لجين ... توسطها الحجر الأسود
توسط عباد المرتجى ... لظى الضرب والحرب إذ توقد
همام إذا هم أضحت له ... متون الظبى والقنا ترعد
إذا شئت وجدان أفضاله ... وجدت وشرواه لا يوجد
قوله: "وشرواه" الشروى: المثل. وأنشدني أيضا لنفسه في تشبيه خلقه وخلقه بيتين سريين وهما: [المنسرح]
1 / 40