هكذا قضى فؤاد في العزبة شهرا لا يكاد صاحبه ينقطع عنه يوما، ثم جاء إليه قوية ذات مساء وكان على غير عادته كئيبا، فلما سأله عن أمره قال له: غدا محاكمة أخي.
وكان فؤاد قد نسي في تلك المدة ذكر سلومة أخي قوية، فلم تخطر له منه خاطرة ، وكان قوية كذلك لا يورد ذكره في أثناء جولة أو مجلس كأنه كان يتعمد ذلك تحرجا من ذكره، وشعر فؤاد بشيء يشبه أن يكون خجلا، إذ كان يكلف الفتى أن يصحبه ويمرح معه ولا يذكر أن له في السجن أخا يستحق مواساة أخيه، وعجب من قوية إذ كان يراه في تلك الأيام مرحا طروبا كأن قلبه لم يعرف في حياته حزنا أو ألما، ولم يدر أكان الفتى يحس الألم ويخفيه أم أنه كان كوحش البر ينسى الطعنة بعد أن يلعق موضعها؟!
فقال له بعد لحظة من صمت: أذاهب أنت لتراه؟
فأجاب قوية كأنه حسب سيده يلومه: إنه أخي!
وأطرق حزينا، فمد فؤاد يده إلى كتف الفتى قائلا: سنذهب معا.
فرفع قوية رأسه في دهشة وقال: لا تكلف نفسك هذه المشقة يا سيدي، فإنما جئت إليك معتذرا من تخلفي عنك غدا.
وتحرك قلب فؤاد عندما استأذن الفتى يريد أن يذهب فقال له: أتذهب إليه وحدك؟
فقال: ستسافر أمي معي.
فقال فؤاد في دفعة: بل أذهب معكما.
فرفع قوية يده إلى عينه فمسح دمعة فيها وقال بصوت متهدج: أشكرك يا سيدي، لا تكلف نفسك هذا العناء.
نامعلوم صفحہ