وكم عبرة وذكرى في هذه الوجوه الطائفة، بل القلوب الخائفة، بين غني وفقير، وقوي وضعيف، وقادر وعاجز! أغناهم في هذا المقام أفقرهم، وأقواهم أضعفهم، وأقدرهم أعجزهم، بل لا غني ولا فقير، ولا قوي ولا ضعيف، ولا قادر ولا عاجز. إخوة متساوون، وجماعة موحدون، وأفراد على الحق يجتمعون، قد امحت بينهم الفروق، وضلت الأشخاص والأعداد، وبقي الخضوع لله الواحد القهار.
إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون .
الحج
وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق .
ما يزال هذا الأذان مدويا في الآفاق، تصيخ إليه الآذان، وتستمع إليه القلوب، فتستجيب له أقطار الأرض باعثة بأفواجها تفيض بهم السبل، ويحملهم البر والبحر والهواء صوب الأرض المقدسة، شطر القطب الذي إليه تتوجه قلوب المسلمين، نحو مركز الدائرة الإسلامية الذي يدور حوله المسلمون وإليه ينتهون. •••
ما يزال هذا الأذان مدويا يجلجل في جوانب الأرض، فتصيخ إليه الآذان والأفئدة، وتستجيب أفواج البشر ميممة أرض الحجاز، وما تزال هذه الدعوة مستجابة تهفو بها أفئدة المسلمين إلى هذه البقعة المباركة من هذه الجزيرة العظيمة جزيرة العرب.
هذه البواخر تمخر في اليم من أرجاء الأرض مشتاقة إلى الحرمين لا تبعد عليها غاية، ولا يثني من عزائمها هول.
وهذه الطائرات في أجواز الفضاء كالطير مسخرات في جو السماء تطير بالشوق والحب إلى مهوى الأفئدة ومطمح الأبصار.
وهذه السيارات تخد البراري والصحاري، تشق سهلها وحزنها، وعامرها وغامرها، وجردها ووعثها، تذلل ما صعب، وتقرب ما بعد. عليها وفود البيت الحرام يجوبون الفلوات، ويحتملون المشقات، ويستسهلون كل صعب إلى مقصدهم العظيم.
ثم هؤلاء المؤمنون الصابرون، أولو القوة والعزم، وأهل الجلد والصبر الذين لا يجدون ما يحملهم فتحملهم عزائمهم، ويحملون أوزارهم وهمومهم
نامعلوم صفحہ