ويرتقي جدار المسجد مقلبا وجهه في السماء ثم ينتفض قائما، فيبعث في حواشي الظلماء صوتا يجلجل في الأرجاء: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر! أترى فلول الظلام مذءودة تلوذ بالباطل المنهزم، أم ترى الباطل مذعورا يلتف في تلك الظلم؟ أترى ذلك النور المنبثق من الأفق الشرقي، بسمة الفجر الصادق لهذا الصوت الإلهي؟ أم ترى ذلك النور الوضاء استجابة النهار لهذا النداء؟ ليت شعري أيهما الصباح، وأيهما أذان بلال بن رباح؟
ويمضي بلال يصدع قلب الظلام بشهادتي الإسلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم يحيعل بالصلاة والفلاح، ثم يعيد التكبير في تمديد، فيختم بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله.
ويحسب بلال أن صوته لم ينفذ إلى القلوب، فلم تتجاف عن مضاجعها الجنوب، فيثوب بالقوم: الصلاة خير من النوم.
يتهلل وجه الرسول
صلى الله عليه وسلم
لصوت الحق مدويا في أعقاب الباطل، يبسم لصوت الحق عاليا طليقا يملأ ما بين الأرض والسماء، والمشرق والمغرب، يبسم حين يسمع دعوة الحق في قلب الجزيرة العربية على لسان عبد حبشي، وهل في شرعة الإسلام عبد وحر؟ وهل في سنة محمد عربي وحبشي؟ وتنبعث في كل أذن من هذا الصوت بشرى، وفي كل قلب من هذا النور إشراق، فيهب الأصحاب من مراقدهم تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم، فتستيقظ كل دار بأهبة الصلاة من الرجال والنساء والولدان.
وينزل بلال فيقف بباب الحجرة النبوية قائلا: «حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة يا رسول الله.»
ويسفر النهار، وتنثال الجموع إلى المسجد، فانظر من ترى: يخرج نفر إلى المسجد من خوخات في دورهم، فهذا الآدم الربعة عظيم العينين ذو البطن علي بن أبي طالب يخرج من حجرة فاطمة، وهذا الطويل الجسيم الأصلع عمر الفاروق، وهذا الأسمر الرقيق البشرة، ضخم المنكبين، كثير شعر الرأس، عظيم اللحية؛ عثمان ذو النورين، والصديق كان في السنح هذه الليلة، فيقدم مسرعا، فتراه أبيض نحيفا معروق الوجه، غائر العينين، خفيف العارضين أجنأ.
ويقبل من دور بني زهرة بجانب المسجد ثلاثة: أحدهم قصير دحداح ذو هامة عظيمة، شثن الأصابع، كثير الشعر، يخضب بالسواد هو سعد بن مالك بن أبي وقاص، والثاني آدم نحيف قصير له شعر يبلغ ترقوته، يلبس ثوبا ناصع البياض، تضوع منه ريح الطيب، يمشي في وقار وسمت، هو عبد الله بن مسعود، والثالث ضخم طويل شديد الأدمة هو المقداد بن الأسود.
وانظر هذين الرجلين: هذا الطويل الجسيم خالد بن الوليد، وهذا القصير الأبلج الأدعج عمرو بن العاص، وفي أثرهما رجل جميل، عظيم الهامة، مكتحل، يخطر في مشيته، هو معاوية بن أبي سفيان، وبجانبه رجل نحيف طوال معروق الوجه، خفيف اللحية، أجنأ، أثرم الثنيتين، هو أبو عبيدة بن الجراح.
نامعلوم صفحہ