يا رسول الله! صلى الله عليك.
أربع صفحات متتابعات
في سيرة رسول الله
1
هذا يوم العشرين من رمضان سنة ثمان من الهجرة، وقد أخذت مكة صولة الجيش الإسلامي، ودهمها جند التوحيد من أعلاها وأسفلها: خالد بن الوليد، قائد الميمنة، يدخل من الليط أسفل مكة يقود جموعا من غفار وأسلم ومزينة وغيرها، والزبير بن العوام، قائد الميسرة، يدخل من كدى أعلى مكة، وأبو عبيدة بن الجراح، في صف من المسلمين، يدخل من أذاخر بين يدي رسول الله.
وقريش وألفافها حائرة، منها من يعد للقتال، ومنها من يدعو إلى السلم، ومنهم من ترددت به الفجاءة بين القتال والاستسلام، فناوش قليلا ثم سكن.
ورسول الله على راحلته مطأطئا رأسه كأنه ساجد على الرحل تواضعا وشكرا، قد غض بصره عن هذا الجيش الكثيف، وهذا الجند المطيع، وهذه السطوة المحيطة؛ ليفتحه على الحق الذي يدعو إليه، والعدل الذي يقوم به، والسلام الذي يبغيه، والألفة التي يريدها.
هذه هي القرية التي أخرجت الرسول وصحبه قبل ثماني سنين، القرية التي هاجر منها رسول الله وصاحبه يلوذان بالغار؛ ليختفيا عن الأبصار، القرية التي أبت على المسلمين الإقامة فيها والخروج منها، القرية التي آذت محمدا في دينه ونفسه وصحبه عشر سنين، ثم أتبعته العداوة والحرب حيثما كان، وهذه قريش التي سخرت بمحمد ودينه وآذت أصحابه، وعذبت المستضعفين منهم، وألجأتهم أن يهاجروا إلى الحبشة ثم إلى يثرب، ثم حاربتهم في بدر وأحد، وألبت عليهم القبائل في غزوة الأحزاب؛ فأحاطت بالمدينة تبغي استئصال المسلمين، ثم ردت المسلمين عن دخول مكة معتمرين عام الحديبية.
ليس في هذه البقعة جبل ولا شعب ولا واد، ولا طريق إلا شهد بطش الباطل الكثير بالحق القليل، والشرك العاتي بالتوحيد الناشئ، واستهزاء الجهلة الجفاة بالحكماء البررة، وضوضاء اللغو تطغى على ترتيل القرآن، وأصوات السخرية تحيط بتكبير الصلاة.
واليوم قد أخذت سورة الحق تهاويل للباطل، وزلزل الجبابرة لسطوة المستضعفين، وخرت الأصنام بكلمة التوحيد. إنه ليوم جزاء وانتقام وقصاص لمن يريد، وقد قال سعد بن عبادة وهو يحمل راية من رايات المسلمين داخلا إلى مكة: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة.»
نامعلوم صفحہ