والربط فلم تعهد بالفسطاط، غير أن الصاحب بهاء الدين بن حنا عمر رباط الآثار الشريفة النبوية بظاهر قبلي الفسطاط واشترى الآثار الشريفة، وهي ميل من نحاس وملقط من حديد وقطعة من العنزة وقطعة من القصعة بجملة مال وأثبتها بالاستفاضة وجعلها بهذا الرباط للزيارة». ا.ه. وقد وهم في قوله بهاء الدين؛ لأن باني الرباط ومشتري الآثار حفيده تاج الدين كما قدمنا وهو ما أجمع عليه المؤرخون. والظاهر أن الذي أوقعه في ذلك ما اشتهر من نسبة الرباط إلى أحد بني حنا، فذهب ظنه وقت كتابة هذه الجملة إلى أكبرهم وأولهم في الشهرة وهو بهاء الدين سهوا منه، وجل من لا يسهو، وقلده في هذا الوهم ابن إياس
8
بقوله في حوادث تولي الظاهر بيبرس على مصر سنة 658 ما نصه: «واستقر بالصاحب بهاء الدين بن حنا وزيرا بالديار المصرية. أقول: والصاحب بهاء الدين بن حنا هذا هو الذي بنى مكان الآثار النبوية المطل على بحر النيل واشترى الآثار الشريفة بجملة كبيرة من المال وأودعها في ذلك المكان الذي أنشأه على بحر النيل وصارت الناس يقصدون ذلك المكان بسبب الزيارة في كل يوم أربعاء» ا.ه. غير أنه أفادنا أن زيارة هذه الآثار كانت في تلك العصور كل يوم أربعاء.
وذكره البرهان الحلبي في حاشيته المسماة نور النبراس على سيرة ابن سيد الناس، فقال: «وفي آخر مصر مكان على النيل مبنى محكم البنيان وله طاقات مطلة على النيل ومكان ينزل إليه وبركة من ماء النيل ومطهرة بماء النيل، وفيه خزانة من خشب وعليها عدة ستور الواحد فوق الآخر وداخل الخزانة علبة صغيرة من جوز فيها من الآثار الشريفة قطعة من قصعة وقطعة من العنزة وميل من نحاس أصفر ومخصف صغير وملقط صغير لإخراج الشوك من الرجل أو غيرها، وقد زرناه غير مرة، وهو مكان مليح في غاية النزاهة وما بعده إلا بساتين، وقد زرناه مرة فرآني الإمام جلال الدين ابن خطيب داريا الدمشقي بسوق كتب القاهرة، فسألني: أين كنتم؟ قلت: زرنا الآثار وكان معنا بعض الأدباء. فقال: هل نظم أحد في ذلك شيئا؟ فقلت: لا. فقال: أنا زرته من أيام وكتبت فيه بيتين، فأنشدني ذلك، وهما:
يا عين إن بعد الحبيب وداره
ونأت مرابعه وشط مزاره
فلك الهنا فلقد ظفرت بطائل
إن لم تريه فهذه آثاره
عنها انتهى كلام البرهان الحلبي ونقلناه من حاشيته المذكورة، وقد نقله أيضا العلامة المقري في فتح المتعال باختلاف يسير في بعض الألفاظ.
ولما وصل ابن بطوطة الرحالة الشهير إلى مصر في أوائل القرن الثامن وأراد الخروج من القاهرة إلى الصعيد للحج مر بهذا الرباط ونزل به ليلة ووصفه في رحلته بقوله: «ثم كان سفري من مصر عن طريق الصعيد برسم الحجاز الشريف، فبت ليلة خروجي بالرباط الذي بناه الصاحب تاج الدين بن حنا بدير الطين
نامعلوم صفحہ