من تمام العبودية الذهاب للمسجد والعبد في حال غفلته كالآبق من ربه ، قد عطل جوارحه وقلبه عن الخدمة التي خلق لها فإذا جاء إليه فقد رجع من إباقه ، فإذا وقف بين يديه موقف والتذلل والانكسار ، فقد استدعى عطف سيده عليه ، وإقباله عليه بعد الإعراض عنه .
عبودية التكبير " الله أكبر ".
وأمر بأن يستقبل القبلة بيته الحرام بوجهه ، ويستقبل الله عز وجل بقلبه ، لينسلخ مما كان فيه من التولي والإعراض ، ثم قام بين يديه مقام المتذلل الخاضع المسكين المستعطف لسيده عليه ، وألقى بيديه مسلما مستسلما ناكس الرأس ، خاشع القلب مطرق الطرف لا يلتفت قلبه عنه ، وطرفة عين ، لا يمنة ولا يسرة ، خاشع قد توجه بقلبه كله إليه.
وأقبل بكليته عليه ، ثم كبره بالتعظيم والإجلال وواطأ قلبه لسانه في التكبير فكان الله أكبر في قلبه من كل شيء ، وصدق هذا التكبير بأنه لم يكن في قلبه شيء أكبر من الله تعالى يشغله عنه ، فإنه إذا كان في قلبه شيء يشتغل به عن الله دل على أن ذلك الشيء أكبر عنده من الله فإنه إذا اشتغل عن الله بغيره ، كان ما اشتغل به هو أهم عنده من الله ، وكان قوله " الله أكبر " بلسانه دون قلبه ؛ لأن قلبه مقبل على غير الله ، معظما له ، مجلا ، فإذا ما أطاع اللسان القلب في التكبير ، أخرجه من لبس رداء التكبر المنافي للعبودية ، ومنعه من التفات قلبه إلى غير الله ، إذا كان الله عنده وفي قلبه أكبر من كل شيء فمنعه حق قوله : الله أكبر والقيام بعبودية التكبير من هاتين الآفتين ، اللتين هما من أعظم الحجب بينه وبين الله تعالى.
عبودية الاستفتاح
فإذا قال : " سبحانك اللهم وبحمدك" وأثنى على الله تعالى بما هو أهله ، فقد خرج بذلك عن الغفلة وأهلها ، فإن الغفلة حجاب بينه وبين الله.
وأتى بالتحية والثناء الذي يخاطب به الملك عند الدخول عليه تعظيما له وتمهيدا ، وكان ذلك تمجيدا ومقدمة بين يدي حاجته.
صفحہ 9