ما بين الصلوات الخمسة تحدث الغفلة وما بين الصلاتين تحدث للعبد الغفلة والجفوة والقسوة ، والإعراض والزلات ، والخطايا ، فيبعده ذلك عن ربه ، وينحيه عن قربه ، فيصير بذلك كأنه أجنبيا من عبوديته ، ليس من جملة العبيد ، وربما ألقى بيده إلى أسر العدو له فأسره ، وغله ، وقيده ، وحبسه في سجن نفسه وهواه .
فحظه ضيق الصدر ، ومعالجة الهموم ، والغموم ، والأحزان ، والحسرات ، ولا يدري السبب في ذلك. فاقتضت رحمه ربه الرحيم الودود أن جعل له من عبوديته عبودية جامعة ، مختلفة الأجزاء ، والحالات بحسب اختلاف الأحداث التي كانت من العبد ، وبحسب شدة حاجته إلى نصيبه من كل خير من أجزاء تلك العبودية .
الكلام عن الوضوء
فبالوضوء يتطهر من الأوساخ ، ويقدم على ربه متطهرا ، والوضوء له ظاهر وباطن :
فظاهره : طهارة البدن ، وأعضاء العبادة.
وباطنه وسره : طهارة القلب من أوساخ الذنوب والمعاصي وأدرانه بالتوبة ؛ ولهذا يقرن تعالى بين التوبة والطهارة في قوله تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتظهرين }[ البقرة : 222] وشرع النبي صلى الله عليه وسلم للمتطهر أن يقول بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد ثم يقول : "اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين " .
فكمل له مراتب العبدية والطهارة ، باطنا وظاهرا ، فإنه بالشهادة يتطهر من الشرك ، وبالتوبة يتطهر من الذنوب ، وبالماء يتطهر من الأوساخ الظاهرة .
فشرع له أكمل مراتب الطهارة قبل الدخول على الله عز وجل ، والوقوف بين يديه ، فلما طهر ظاهرا وباطنا ، أذن له بالدخول عليه بالقيام بين يديه وبذلك يخلص من الإباق.
وبمجيئه إلى داره ، ومحل عبوديته يصير من جملة خدمه ، ولهذا كان المجيء إلى المسجد من تمام عبودية الصلاة الواجبة عند قوم والمستحبة عند آخرين.
صفحہ 8